مقالات وأبحاث

رأي وتعقيب حول – الإختصاص المكاني في الدعاوى العينية العقارية بقانون التحكيم السوري

| المحامي الأستاذ - محمد ناهل المصري

  • قرأت المقالة القيّمة بعنوان: (الإختصاص المكاني في الدعاوى العينية العقارية بقانون التحكيم السوري) للقاضي المستشار أحمد حمادة رئيس محكمة الإستئناف المدنية بريف دمشق المنشورة على موقع مجلة التحكيم السوري https://syrian-arbitration.com/.

ولفت نظري الرأي القيم الذي ذكره سيادة المستشار والذي سلط فيه الضوء على موضوع الإختصاص المكاني لدعاوى بطلان الحكم التحكيمي ودعاوى إكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ إذا كان الحكم المطلوب بطلانه أو إكسائه صيغة التنفيذ متعلقاً بنزاع عيني عقاري. والذي خلص فيه إلى أنه:

“يتوجب إعادة أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 1 لعام 2016 فيما يتعلق بالاختصاص المكاني بالنسبة للدعاوى العينية العقارية في معرض إقامة كلاً من دعوى البطلان والإكساء سنداً لأحكام قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 بالرغم من أنه قانون خاص وذلك باعتبار أنه لا يجوز المساس بالنظام القضائي الذي رسمه المشرع لأجهزة السلطة القضائية ويجب مراعاته حتى في قضايا التحكيم باعتبار أن هذا التعديل لقواعد النظام العام جاء بعد صدور قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 ويتعلق بقواعد الشكل دون الموضوع مما يتوجب على المحاكم التقيد فيه ومراعاته تحت طائلة اعتبار ما يصدر خلافه مخالفاً للنظام العام.”

فانصرفت لدراسة الموضوع وتقليبه على جميع وجوهه ورأيت واستجابةً وشكراً للدعوة التي وجهها سيادة القاضي المستشار أحمد حمادة لكافة الزملاء المهتمين بيان آرائهم القانونية حول هذا الموضوع، أن أبين هذا الرأي راجياً من الله العلي القدير أن يساهم مساهمة بسيطة في تسليط الضوء على هذا الموضوع الهام.

كما أشكر المحامي الأستاذ أحمد وليد منصور مدير الموقع على جهوده في نشر الثقافة القانونية حول التحكيم.

بدايةً وبادئ ذي بدء أتحفظ على عنوان المقال: (الإختصاص المكاني في الدعاوى العينية العقارية بقانون التحكيم السوري)، حيث أنه لا يوجد برأيي دعاوى عينية عقارية بقانون التحكيم، وإنما يوجد بقانون التحكيم دعوى واحدة أصلية فقط هي الدعوى التحكيمية وهي دعوى شخصية يتفرع وينتج عنها دعاوى قضائية فرعية شخصية أخرى هي:

  • دعوى إختيار المحكم المفرد أو الثالث في التحكيم الثلاثي أو المحكم البديل (في غرفة المذاكرة).
  • دعوى رد المحكم (في غرفة المذاكرة).
  • دعوى عزل المحكم (في غرفة المذاكرة).
  • دعوى مد أجل التحكيم (في غرفة المذاكرة).
  • دعوى الطعن بقرار هيئة التحكيم بتحديد أتعاب المحكمين.
  • دعوى تصحيح الحكم أو تفسيره أو إصدار حكم إضافي في حال تعذر على هيئة التحكيم الإجتماع من جديد لتفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض أو بإصدار حكم تحكيم إضافي في طلبات قدمت خلال الإجراءات وأغفلها حكم التحكيم (في غرفة المذاكرة).
  • دعوى بطلان حكم التحكيم.
  • دعوى إكساء الحكم التحكيمي صيغة التنفيذ (في غرفة المذاكرة).

لتسليط الضوء على موضوع الإختصاص بقضايا بطلان الحكم التحكيمي وقضاء إكساء الحكم صيغة التنفيذ يجب الإجابة على الأسئلة التالية:

السؤال الأول: ما طبيعة دعوى التحكيم والدعاوى القضائية الناتجة عنها (البطلان والإكساء)؟

هل هي دعوى شخصية أم دعوى عينية عقارية أو شخصية عقارية؟ وهل تتغير طبيعة هاتين الدعويين وصفتهما أحدهما أو كلاهما بحسب موضوع النزاع؟ بمعنى أنه إذا كانت الدعوى التحكيمية الأصلية متعلقة بنزاع على حق عيني فهل تتحول من دعوى شخصية إلى دعوى عينية عقارية أو إلى دعوى شخصية عقارية؟

برأيي هنا أنه يجب التمييز بين الدعوى التحكيمية الأصلية والدعاوى القضائية المتفرعة أو الناتجة عنها:

  1. فالدعوى التحكيمية تتناول كل النزاعات المدنية والتجارية ومن بينها الدعاوى المتعلقة بحق عيني عقاري، وقد يصح هنا أن نسمي الدعوى بهذه الحالة تجاوزاً (دعوى تحكيمية عينية عقارية) رغم أن القانون لم يلجأ لهذا التقسيم أو هذه التسمية ولم يقرها. إلا أنها بالتأكيد ليست دعوى قضائية عينية عقاري، فهي ليست دعوى قضائية من الدعاوى التي تنظرها المحاكم ولا تنطبق عليها أحكامها وإنما هي دعوى خاصة تحكمها الأحكام الخاصة المنصوص عليها بقانون التحكيم، وهي تختلف كثيراً في أساسها ومستندها القانوني وأحكامها وقواعدها وإجراءاتها من بدايتها وحتى نهايتها ونهاية إجراءاتها وإجراءات الطعن فيها عن الدعاوى القضائية العقارية التي تحكمها أحكام قانون أصول المحاكمات.
  2. كذلك الأمر بالنسبة للدعاوى القضائية الفرعية الناتجة أو المرتبطة بالدعوى التحكيمية، فصحيح أنها دعاوى قضائية تُنظَر من قبل محكمة قضائية، إلا أنها دعاوى شخصية إجرائية لا تفقد صفتها وطبيعتها وأحكامها وإجراءاتها ولا يتغير إختصاص النظر فيها.

ورغم أنها دعوى قضائية إلا أن لها أصول خاصة تخرج بمعظمها عن الأصول العامة الواردة بقوانين أصول المحاكمات بدءاً من التبليغ والمدد والمهل والأصول وصولاً للتنفيذ والطعن.

  1. ولا بد من الإشارة إلى أن قانون التحكيم لم يميز أبداً وتجنب واضعوا القانون تقسيم الدعوى التحكيمية إلى دعوى تحكيمية شخصية ودعوى تحكيمية عينية عقارية أو دعوى تحكيمية شخصية عقارية. فهذا التمييز غير موجود إلا في قانون أصول المحاكمات بالنسبة للدعاوى القضائية فقط، أما قانون التحكيم فلم يفعل ذلك وإنما نص فقط على وجوب وضع إشارة الدعوى[1] (كإجراء موروث من قانون السجل العقاري م 47) إذا تعلق النزاع بحق عيني على عقار، وجعل إختصاص وضع هذه الإشارة للمحكمة التي ينعقد لها الاختصاص وفقا للفقرة الأولى من القانون (قانون التحكيم) بقرار تتخذه في غرفة المذاكرة (المادة 3/3). ولا يخفى هنا أن المشرع لو أراد تمييز الدعوى التحكيمية التي يتعلق النزاع فيها بحق عيني أو إعطاءها أحكاماً خاصة أو أراد جعل الإختصاص المكاني فيها للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار كما هو النص بقانون أصول المحاكمات، لنص بداهة على إختصاص هذه المحكمة بوضع الإشارة (لا فرق في ذلك بين القانونين القديم وتعديلاته أو الجديد).
  2. إن التقسيم الوحيد الوارد بقانون التحكيم هو التقسيم الوارد بالمادة 1 والذي قسَّم التحكيم موضوعياً إلى نوعين: التحكيم العادي أو المدني والتحكيم التجاري بقسميه المحلي والدولي. ولو ارتأى المشرع إيجاد تقسيم آخر موضوعي غير ذلك كتقسيمه لنوعين تحكيم شخصي وتحكيم عيني عقاري لَفَعَلْ.
  3. أما بالنسبة لدعوى البطلان فالذي أراه أنها دعوى شخصية وليست دعوى عينية عقارية، ذلك أن موضوعها هو بحث مدى توفر حالات البطلان المذكورة بالمادة 51 من قانون التحكيم ولا يمتد للبحث في أصل وأساس النزاع الذي بحث به الحكم. وبالتالي فهذه الدعوى هي دعوى شخصية إجرائية لا صلة لها بأساس النزاع وبكونه متعلق بحق عيني أو سواه.

وبناءً عليه نخلص إلى أن الدعوى التحكيمية والدعاوى القضائية الناجمة عنها هي دعاوى شخصية برأيي أياً كان موضوع النزاع فيها، ولا يغير من هذه الحقيقة كون موضوعها نزاع متعلق بحق عيني.

السؤال الثاني: إذا افترضنا (والفرض غير الحقيقة) أو سلمنا بأن دعوى البطلان هي دعوى عينية عقارية أو دعوى شخصية عقارية، وأن هناك نصين الأول خاص جعل الإختصاص في هذه الدعوى العينية العقارية أو الشخصية العقارية للمحكمة المعرفة في المادة 3 من قانون التحكيم والثاني عام لاحق في قانون أصول المحاكمات يجعل الإختصاص للمحكمة الوارد ذكرها بالمادة 83 منه، فهل هناك تعارض في الحالة المطروحة بين هذين النصين؟ وإذا كان هناك تعارض فأيهما الأولى بالتطبيق السابق الخاص أم اللاحق العام؟ وهل أُلغي الخاص السابق بالعام اللاحق؟ ألا يمكن تطبيق النصين وهذا الصحيح بدلاً من تطبيق أحدهما واستبعاد الآخر؟

  1. أنا لا أرى أي تعارض بين النصين فالنص في قانون الأصول يتناول الدعاوى القضائية. أما النص في قانون التحكيم فيتناول الدعوى التحكيمية والدعاوى القضائية المتفرعة أو الناتجة عنها أو المرتبطة بها. ولكل من الدعويين مستند وأساس قانوني خاص وأحكام واختصاص دولي ونوعي وموضوعي ومكاني وقيمي مختلف وأصول وإجراءات مختلفة.
  2. جدلاً واستطراداً وإذا اعتبرنا أن هناك تعارضاً بين النصين فالنص الأول الخاص هو الأولى بالتطبيق للأسباب التالية:
    • النص الخاص أقوى في الدلالة من النص العام الوارد بقوانين أصول المحاكمات لأن دلالة الأول قطعية ودلالة الثاني ظنية قياسية. ووفقاً لأصول وقواعد التفسير فالعمل بالأقوى مقدم.
    • إن العمل بالنص العام الوارد بقوانين الأصول (المتعلق بعموم الدعاوى القضائية) يلزم منه إبطال دلالة النص الخاص الوارد بقانون التحكيم (الواضح والصريح والمتعلق بخصوص الدعاوى التحكيمية) وتعطيله واستبعاده. بينما العمل بالخاص لن يؤثر في تعطيل العام، وبذلك تقديم الخاص أولى، لأن استعمال الدليلين أولى من إلغاء أو تعطيل أحدهما ولأن النص الأول لا محل للالتباس فيه أما النص واضح فيوقع المحاكم بالالتباس والارتباك.
    • إن النص الوارد في قانون التحكيم نص ثابت وصريح لا خلاف فيه بخصوص أي دعوى تحكيمية، وإنما حصل الخلاف بعد صدور قانون أصول المحاكمات الجديد المتعلق بالدعاوى القضائية. والقاعدة الفقهية تقضي بأن المتفق عليه يقدم على المختلف فيه.
    • أما المنطق والمعقول فالأفضل والأصح لاستقرار التعامل والتقاضي من وجهة نظرنا أن يبقى الإختصاص في قضايا التحكيم للمحكمة التي يجري ضمن دائرتها التحكيم أي كان موضوع النزاع فيها، لا أن نشتته بين عدة محاكم، فتكون دعاوى تسمية المحكم أو رده او عزله وغيره من دعاوى التحكيم من إختصاص محاكم دمشق ودعوى البطلان والإكساء من إختصاص محاكم حلب مثلاً

السؤال الثالث: هل تعتبر قواعد الإختصاص في مسائل التحكيم (ولا سيما حينما يتعلق الأمر بنزاع متعلق بحق عيني) من النظام العام؟ وفي حال خالفتْ قواعداً في الإختصاص في قوانين أخرى فهل يجوز تعطيلها أو إلغاءها؟

من المزايا الأساسية لقانون التحكيم ميزة حرية المتعاقدين في كل مسائل التحكيم وعلى رأسها مسائل الاختصاص ولا يشمل ذلك الإختصاص القيمي أو المكاني أو الموضوعي وحسب بل شمل أيضاً الإختصاص الدولي. يستدل على ذلك بـ:

  1. لقد كان قانون التحكيم (المادة 3 منه) واضحاً وصريحاً في جعل إختصاص النظر بمسائل التحكيم جميعها ليس من النظام العام بدليل أنه أجاز الاتفاق بين الطرفين على إختصاص أي محكمة إستئناف في سورية، فهل سنعطل هذ النص في حالة النزاع المرتبط بحق عيني؟
  2. لا بل إنه في المادة 3 نفسها الفقرة 3 منها وبعد أن قرر أن الإختصاص ليس من النظام العام وأجاز الاتفاق عليه بين الأطراف، تناول وبنفس المادة عن النزاع المتعلق بحق عيني على عقار، واكتفى على ذكر وجوب وضع إشارة الدعوى. أي أن النزاع المتعلق بحق عيني عقاري لم يكن غائباً عن ذهن المشرع، لكنه لم يشأ استثنائه من المبدأ العام في الاختصاص الذي قرره لجميع مسائل التحكيم.
  3. لم يقتصر الأمر على الاختصاص المكاني وإنما شمل أيضاً الإختصاص الدولي فأجازت المادة 23 لطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في سورية أو خارجها.
  4. ما الفائدة وما العبرة في حرية اختيار الأطراف مكاناً للتحكيم إذا كان المكان محدد جبراً تحت طائلة مخالفة النظام العام في النزاعات المتعلقة بحق عيني (ومعظم النزاعات التحكيمية مرتبطة بحق عيني)؟
  5. من استقراء أحكام هذه المواد يتبين أن المشرع قد قرر قاعدة حول الاختصاص تعتبره ليس من النظام العام ويجوز للطرفين الاتفاق عليه. ويمكنني الزعم أن هذه القاعدة بحد ذاتها من النظام العام، بمعنى أنه لا يجوز لأي قانون أو نص من خارج قانون التحكيم أن يخالفها أو يجبر المتعاقدين على قواعد تخالفها أو تعارضها.
  6. حتى القانون الموضوعي الواجب التطبيق على واقعة النزاع (وهي مسألة من النظام العام إذ لا يجوز قضاءً إتفاق المتخاصمين على تطبيق قانون غير القانون السوري أمام المحاكم) ترك القانون أمر اختيارها لأطراف التحكيم.
  7. مما سبق يتبين أن التحكيم بأصله خروج عن الأصل وطريق استثنائي، وهو بحسب المادة 1 أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلاً من القضاء، ومعظم مواده وقواعده وإجراءاته إستثنائية مخالفة ومعارضة لنصوص كثيرة في قوانين الأصول والقوانين الأخرى. ولو عدنا لقانون أصول المحاكمات (الجديد أو القديم) لوجدنا فيه أحكاماً كثيرة من النظام العام في التقاضي كمسائل التبليغ والمدد وطرق الطعن الخ تخالف الأحكام الواردة في قانون التحكيم. ولو اعتبرنا أن الأحكام الواردة في قانون الأصول تتعارض مع الأصول الواردة في قانون التحكيم وهي الواجب التطبيق لأنها لاحقة، لأدى ذلك إلى تعطيل معظم مواد وأحكام قانون التحكيم كله وتعطيل الغاية التي سُنَّ لأجلها.

السؤال الرابع ما المقصود من نص المواد 50/2 و 56/2/ب من قانون التحكيم؟

  1. من المعلوم أنه لا يوجد بطلان أو إبطال لحكم التحكيم إلا في حال وجود وقيام دعوى البطلان (وللأسباب المحددة حصراً بقانون التحكيم) أو عند الإكساء. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إن المادة 50 بفقرتيها 1 و 2 والفقرة الثانية من المادة 56 تتحدثان عن أمرين بغاية الأهمية لهما بعد قانوني في القانون المدني، هما البطلان والقابلية للإبطال، وهناك اختلاف كبير بين الإثنين، فالبطلان: ملك للأطراف وللمحكمة ولكل ذي مصلحة أن يثيره لأنه من متعلقات النظام العام، وأي اتفاق على ما يخالفه باطل. أما القابلية للإبطال فهو ملك للأطراف، وهم يستطيعون التنازل عنه صراحة أو ضمناً وباستطاعتهم أن يتنازلوا عن الحق في إبطال هذا العقد (عقد التحكيم) أو أي عقد كان. فهذا ملك للأطراف.
  2. إن البطلان أو القابلية للإبطال والمخالفة المقصودين في هاتين المادتين برأيي هو البطلان النسبي الموضوعي المتصل بحالات البطلان الموضوعية وليس البطلان الشكلي أو الإجرائي.
  3. إن الفقرة 2 من المادة 50 يفسرها نص الفقرة 1 من نفس المادة. فلقد حدد قانون التحكيم (المادة 50) في الفقرة الأولى حالات البطلان التي يجوز إقامة الدعوى لأجلها، وهي قد وردت على سبيل الحصر، وليس من بينها الطعن بعدم الإختصاص المكاني، ولا يجوز إقامة الدعوى ولا تقبل في حال إقامتها إلا لهذه الأسباب حصراً. وبالتالي لا يتصور ولا يفترض وجود أو قبول دعوى بطلان حكم التحكيم بسبب عدم الإختصاص المكاني لعدم وروده بين هذه الحالات. أما ما عنته الفقرة الثانية من المادة فهي تجيز للمحكمة (نفسها المحددة بالمادة 3 من القانون) أن تقضي ببطلان حكم التحكيم (من تلقاء نفسها)، إذا تضمن ما يخالف النظام العام في الجمهورية العربية السورية، أي إذا لم يطلبه الخصوم أو سَهَوا عن إيراده، ولكنه بالتأكيد من بين الحالات التي قضت بها الفقرة الأولى. وليس من خارجها، وليس سبباً أو شرطاً جديداً لدعوى البطلان. فالعبرة في هذه الفقرة (لعبارة من تلقاء نفسها) لا لإضافة أحوال أو أسباب جديدة لقبول دعوى البطلان.
  4. ولو أمعنا النظر قليلاً في هذه المادة لوجدنا ملمحاً دقيقاً جداً في غاية الأهمية، وهو أنه لو قضت المحكمة التي تنظر في دعوى البطلان (وهي المحكمة المعرفة في المادة 3 من هذا القانون م 51/3) ببطلان حكم التحكيم بسبب عدم الإختصاص المكاني باعتباره يخالف النظام العام في الجمهورية العربية السورية، فهي تقضي منطقياً وعملياً بعدم إختصاصها وبطلان حكمها الذي حكمت به بالبطلان. إذ لو قررنا أن الإختصاص المكاني في النزاعات التحكيمية المتعلقة بنزاع على حق عيني هو لمكان العقار لا لمحكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم، وهو من النظام العام، لاستتبع ذلك أن يشمل الاختصاص جميع المحاكم الناظرة بالدعاوى القضائية المرتبطة بالدعوى التحكيمية ومن بينها المحكمة الناظرة بدعوى بطلان الحكم، وللزم ذلك بالضرورة ومنطقياً أن المحكمة التي تنظر دعوى البطلان غير مختصة واعتور قرارها البطلان.
  5. نفس الأمر ينطبق على المادة 56 وما ورد فيها من أحكام مع الإشارة إلى أن مخالفة النظام العام المقصودة بالفقرة (ب) هي المخالفة الموضوعية لا المخالفة الإجرائية التي تبقى دوما تحت سلطان ومظلة قانون التحكيم.

الخلاصة:

إذا كان النص المتعلق بالدعوى العينية العقارية في قانون أصول المحاكمات هو نصٌ خاص، فالتشريع أو القانون الخاص بالتحكيم هو أخص الخاص أو خاص الخاص وهو الأولى وهو الأجدر بالتطبيق.

لقد شاءت حكمة المشرع أن يجعل للتحكيم في قانون التحكيم محكمة واحدة تنظر بكل المسائل المتعلقة به، وليس من الحكمة مخالفة هذه الحكمة وهذه الغاية وتشتيت التحكيم في محكمة أخرى، وإعمال الكلام الوارد في قانون التحكيم (والذي لا يتعارض كما بينا مع الأحكام الواردة في قانون أصول المحاكمات) خير من إهماله.

وأخيراً ما ورد في كلمة السيد فاروق أبو الشامات رئيس اللجنة التي درست قانون التحكيم في مداولات مجلس الشعب:

السيد الرئيس، السادة الزملاء .

وفقاً لقانون أصول المحاكمات فإنه إن حدث نزاع يتعلق بحق عيني فالمحكمة المختصة هي التي سيقع في دائرتها هذا العقار، لكن قانون التحكيم قانون خاص ولذلك قلنا: إن محكمة الاستئناف هي المحكمة التي تضع إشارة الدعوى بناء على طلب صاحب المصلحة الذي يخاف أن يهرب الطرف الآخر العقار منه وذلك من خلال بيعه أو التصرف به.

 

 

[1] لم يبين قانون التحكيم إجراءات وضعها أو تقينها أو الجزاء المترتب على عدم وضعها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: تنبيه: محتوى الموقع محمي !!