مقالات وأبحاث

الشروط الواجب توافرها في المحكم … بين القضاة والأفراد العاديين

| المحامي الأستاذ - أحمد وليد منصور

إن تعزيز ثقافة التحكيم، لا يمكن أن تنتشر من دون أن يكون هناك بنية قانونية متينة، تحمي المواطنين الذين يلجأون للتحكيم، لحل نزاعاتهم وخلافاتهم.

وإن عدنا إلى الشروط المتبعة وفقاً للقوانين والأنظمة والقرارات في سورية لتسمية المحكم، نجد أن غبناً حقيقياً قد يلحق بالأطراف الذين ضمنوا في عقودهم شرطاً تحكيمياً، وقاموا بتسمية مسبقة للمحكم، وخاصةً إن كان هذا المحكم من الهيئة القضائية.

وبالعودة إلى الواقع العملي لتعيين المحكم نجد أن هناك شروطاً ممكن إدراجها في ثلاثة أقسام:

أولاً- شروط عامة لايمكن تجاوزها والاتفاق على خلافها.

ثانياً- شروط عامة ولكن يمكن الاتفاق على خلافها.

ثالثاً- شروط خاصة متعلقة بالسادة القضاة.

أولاً- شروط عامة لايمكن تجاوزها والاتفاق على خلافها:

بالعودة إلى قانون التحكيم السوري، فإننا نلاحظ أن أي شخص مهما كان جنسه وجنسيته مُتعلم أو أُمي، من الممكن أن يكون محكماً إذا توافرت فيه الشروط التالية:

أ- أن لايكون قاصراً.

ب- أن لايكون محجوراً عليه.

ج- أن لايكون مجرداً من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه بجناية أو جنحة شائنة، وفي هذه الحالة يكون الحرمان نسبياً ويزول في حال تم رد الاعتبار للشخص المجرد من حقوقه المدنية.

والمهم هنا نُقطتان، أما الأولى، وهي أن المشرع لايزال يأخذ بالمنطق التاريخي لعملية التحكيم، وهو التوجه نحو شيخ كار أو مهنة أو شخص موثوق لحل نزاع بين الأطراف، وفقاً لما كان الوضع سائداً في سورية وغيرها من الدول المجاورة، وبالتالي لم يتطلب القانون أي دراسة أو تعليم أو تثقيف تحكيمي للمُحكم، ويكفي أن يكون الشخص تنطبق عليه الشروط العامة المذكورة سابقاً، والواردة بالمادة /13/ من قانون التحكيم، ليكون محكماً ويصدر أحكام تعادل بقوتها الأحكام الصادرة عن المحاكم السورية التي يرأسها قاضي درس ما درسه وتعلم ماتعلمه ليصل إلى منصة الحكم.

أما النقطة الثانية، وهي نقطةٌ هامة جداً، أن هذه الشروط السابقة، والمذكورة بنص المادة /13/ لايمكن الاتفاق على خلافها، أي لايمكن على الإطلاق أن يتفق الأطراف على تسمية محكم (قاصر) أو (مجرد من حقوقه المدني) وذلك تحت طائلة (انعدام) الحكم التحكيمي الصادر عن هيئة تحكيمية رئيسها أو أحد أعضائها قاصر، ونلاحظ أن الانعدام هنا، قد أخذ قياساً على الانعدام اللاحق بالقرار الصادر عن محكمة لا ولاية لها للنظر بالدعوى، فعدم وجود ولاية صحيحة لمن ينظر بالنزاع، يلحق القرار الصادر عنه الانعدام، ولايصحح هذا القرار صدوره مبرماً، بل يبقى معرضاً لإقامة دعوى الانعدام أمام المحكمة المختصة أصلاً بالنظر بالنزاع، وليس أمام محكمة الاستئناف المعرفة بالمادة /3/ من قانون التحكيم.

ثانياً- شروط عامة يمكن تجاوزها والاتفاق على خلافها:

وهذه الشروط هي الشروط المنصوص عليها بالباب السابع من قانون أصول المحاكمات المدنية، والمتعلقة بعدم صلاحية ورد القضاة، حسب المواد من /175/ و /176/ ومنها وجود مصاهرة أو علاقة زوجية أو علاقة عمل أو وكالة وغيرها من الشروط المنصوص عليها في هاتين المادتين.

والجدير بالذكر هنا، أن قانون التحكيم قد أتاح الفرصة لأعضاء هيئة التحكيم، بالإفصاح عن أية ظروف من شأنها أن تثير شكوكاً حول استقلاليته أو حياديته سواء كانت هذه الظروف سابقة لقيام التحكيم، أو استجدت عن البدء بهذه الإجراءات، ويكون لطرفي التحكيم في هذه الحالة إما الطلب من المحكم الذي أفصح عن هذه الشروط بالتنحي، أو بتفهم هذا الإفصاح والطلب من المُحكم أن يتنحى.

إذاً، لو أفصح المُحكم عن وجود علاقة مصاهرة فيما بينه وبين أحد أطراف النزاع التحكيمي، وأنه مستعد للقيام بمهمته على أكمل وجه دون التحيز لأحد، على الرغم من وجود هذه العلاقة، فللطرف الآخر الخيار، إما أن يجيز استمراره بالتحكيم، أو أن يطلب منه التنحي عن الدعوى.

ولكن، ماذا لو كانت هناك علاقة عمل أو مصاهرة وغيرها من الأسباب التي يتوجب على المحكم الإفصاح عنها ولكنه لم يقم بهذا الإفصاح، بل استمر بأداء مهمته التحكيمية، ماذا سيترتب على هذا الصمت ؟؟؟

هنا نفرق بين حالتين، الأولى، أن الطرف المتضرر من هذه العلاقة، قد اكتشفها أثناء قيام التحكيم، فعليه نتيجة لذلك أن يقوم برفع دعوى رد محكم، أمام محكمة الاستئناف المعرفة بالمادة /3/ من قانون التحكيم، وفي حال صدر قرار محكمة الاستئناف برد المحكم، يكون قرارها مبرماً، وتعتبر كافة الإجراءات التي تمت في التحكيم كأنها لم تكن.

أما الحالة الثانية، وهي حالة انتهاء المهمة التحكيمية، بصدور الحكم التحكيمي، فإن دعوى رد المحكم تقام أمام محكمة الاستئناف المعرفة بالمادة /3/ أيضاً، ويترتب على الحكم برد المحكم في هذه الحالة، انعدام الحكم التحكيمي واعتباره كأنه لم يكن وليس له أي وجود.

وفي كلتا الحالتين، يحق للفريق المتضرر، أن يطالب المحكم الذي تسبب صمته وعدم إفصاحه عن الحالات التي قد تثير التساؤلات في نزاهته، أن يطالب هذا المحكم بالتعويض بما يتناسب مع حجم الضرر الذي تسبب به، جراء ابطال الإجراءات التحكيمية وتأخر البت بالتحكيم، أو جراء إنعدام الحكم التحكيمي بسبب الحكم عليه بالرد بعد صدوره، ومرجع هذا التعويض، إلى أن الإفصاح ليس خياراً للمحكم يقوم به أو لا يقوم به، بل هو واجب حيث نصت المادة /17/ فقرة /1/ أنه يتوجب على المحكم أن يفصح ……. وهذا الوجوب مرده إلى أهمية هذا الإفصاح، والصمت يعني أن هناك سوء نية مبيتة ما يترتب عليه وجوب التعويض عن الأضرار الناجمة عنه.

ثالثاً- شروط خاصة متعلقة بالسادة القضاة :

من المعروف أن السادة القضاة حسب المادة /80/ من قانون السلطة القضائية، يمتنع عليهم أن يكونوا محكمين إلا بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، فقد نصت  هذه المادة على أنه:

((ﻻ يجوز ﻟﻠﻘﺎﻀﻲ بغير موافقة مجلس ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﺃﻥ يكون محكماً ﻭﻟﻭ بغير أجر ولو كان النزاع غير مطروح على القضاء ﺇﻻ ﺇﺫﺍ كان أحد ﺃﻁﺭﺍﻑ ﺍﻟﻨﺯﺍﻉ من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة.  ﻓﺈﺫﺍ كانت ﺍﻟﺩﻭﻟﺔ ﺃﻭ إحدى ﺍﻟﻬﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻤﺔ  طرفاً ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺯﺍﻉ ﺍﻟﻤﺭﺍﺩ ﻓﻀﻪ بطريق التحكيم تولى مجلس ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻷﻋﻠﻰ اختيار الحكم الخاص بالحكومة أو الهيئة ﺍﻟﻌﺎمة كما يتولى مجلس ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ تحديد التعويض الذي يستحقه

إلا أن التطبيق العملي لهذه المادة قد أجحف كثيراً بحق السادة القضاة، وحق أطراف النزاع، سنورد من خلال ما يأتي:
1- الآلية المتبعة لتعيين القاضي كمحكم في سورية:

لقد تخبطت وزارة العدل كثيراً في قراراتها فيما يتعلق بهذا الخصوص، فلو أخذنا بالشكل العام المادة السابقة من قانون مجلس القضاء الأعلى، لوجدنا أنهُ يتوجب على القاضي أن يأخذ رأي مجلس القضاء الأعلى عند اختياره كمحكم وذلك سواء أكان هذا الاختيار قضائياً (أي تمت تسمية القاضي من قبل المحكمة) أو اتفاقياً (أي ان أطراف النزاع اتفقوا على تسمية هذا القاضي) وقد أخذ النص على إطلاقه فلم يحدد عدد المرات التي يحق للقاضي أن يكون بها محكماً، مايهم فقط هو أن يأخذ موافقة مجلس القضاء الأعلى، ولقد صدر عدد من القرارات من قبل وزير العدل بهذا الخصوص، ومنها القرار السابق، وهو الأقرب إلى العدالة، أن القاضي لايحق له أن يسمى (قضائياً) كمحكم إلا مرة واحدة في السنة، أمام إذا اتجهت إرادة أطراف النزاع إلى تسميته كمحكم لنزاعهم فلا قيد على عدد النزاعات التي يكون محكماً لها في هذه الحالة، إلا أن الوزارة مالبثت وأن عدلت عن قرارها هذا، وأصدرت القرار رقم /3960/ل تاريخ 13/11/2019 والقاضي بأنه لايجوز للقاضي أو لمحامي الدولية أن يكون محكماً في قضية تحكيمية لأكثر من قضية واحدة في السنة، سواءً أكان محكماً اتفاقياً أو محكماً من قبل المحكمة وذلك وفقاً لأحكام القانون رقم /4/ لعام 2008، وفي هذا القرار الأخير نوعٌ من الإجحاف بحق السادة القضاة، فإن كانت العدالة التوزيعية للدعاوى التحكيمية تقتضي أن يكون توزيع هذه الدعاوي وفقاً للدور على السادة القضاة بمختلف اختصاصتهم، إلا أن هذه العدالة لايمكن أن تطبق إلا في حال كانت تسمية المحكم عن طريق المحكمة، أما، أن يمتد هذا المنع إلى التسمية الاتفاقية من قبل الأطراف، فهذا يعتبر نوعاً من الخروج عن العدالة، بل يتعداه للتدخل بإرادة الأطراف التي جاءت مطلقة باختيار محكمهم، وبقي أن نشير هنا، أن السادة قضاة مجلس الدولة، الذين يخضعون أيضاً لقانون السلطة القضائية، لايشملهم هذا المنع، فإن كان توزيع الدعاوي عن طريق السيد رئيس المجلس يتم بالدور وبالتساوي وهنا يوجد نوع كبير من العدالة التي حققها السيد رئيس مجلس الدولة بهذا المجال، إلا أن قضاة مجلس الدولة يحق لهم أن يكونوا محكمين بعدد غير محدود من الدعاوي التحكيمية في حال كانت تسميتهم اتفاقية من قبل  الأطراف.

والسؤال، هل أدى هذا المنع إلى الغاية المبتغاة ؟

بالتأكيد لم يؤدي هذا المنع إلى الغاية المبتغاة، بل على العكس، حرم صندوق الوزراة من عائدات كبيرة كانت تأخذها من التحكيم الذي يعود للقاضي، لأن الأطراف عندما وجدوا منعاً للقضاة بأن يكونوا محكمين، التجأوا لغيرهم من محامين وقانونيين ومهندسين، وذلك ليتجنبوا أزمة الوقوع بمشكلة عدم الموافقة على اختيار القاضي كمحكم كونه استفاد من دعوى تحكيمية سابقة بنفس السنة.

2- ماذا بالنسبة للأطراف الذين قاموا بتسمية أحد القضاة مسبقاً كمحكمين في اتفاقهم التحكيمي؟

ولقد وقعنا بهذا الأمر، وكنا قد سمينا سابقاً أحد القضاة كمحكم بالاسم نظراً لخبرته ومعرفته القانونية، إلا أنه عندما طرح عليه النزاع التحكيمي، اعتذر كونه قد استفاد من قضية تحكيمية بذات السنة، وهنا وقع الأطراف بمشكلة، فأحدهم أراد التملص من الشرط التحكيمي، بأن اتفاق التحكيمي، هو اتفاق معياري، مأخوذ بصفات شخص معين بالذات، وهو القاضي /س/ من الناس، وكونه تعذر أن يكون هذا القاضي محكماً، فالتجأ إلى القضاء، وانتهى الشرط التحكيمي، باعتذار المحكم، ما جعل المختصين ينفرون من تسمية القضاة في عقودهم كمحكمين منفردين أو عن أحد الأطراف خوفاً من القرارات المتلاحقة من وزارة العدل بهذا الخصوص.

والسؤال، ماذا يترتب على قبول المحكم لمهمته التحكيمية بالرغم من عدم أخذه لموافقة مجلس القضاء الأعلى، لقد استقر الاجتهاد هنا على أن عدم حصول القاضي على إذن من مجلس القضاء الأعلى لايعد سبباً لعدم صلاحيته كما لايعد من أحوال بطلان حكم التحكيم المنصوص عليها في القانون على سبيل الحصر، بل فقط يتم العودة على القاضي الذي قبل المهمة التحكيمية، لمخالفته المسلكية للمحظورات المنصوص عليها بقانون السلطة القضائية.

وفي النهاية، نتمنى عند الحديث عن التحكيم، وخلق مناخ تحكيمي مستقطب للأفراد والهيئات الأجنبية والعربية، أن نُمكن ونحصن قانون التحكيم، وذلك وبما يخص مجال الشروط المتعلقة بالمحكم، يكون عن طريق:

أ- وضع شرط معياري لا يمكن الاتفاق على خلافه أن يكون المحكم حاصل على إجازة جامعية، أو على أقل تقدير ملم بالقراءة والكتابة، بالإضافة لأن يكون متبع لدورات تحكيمية معتمدة داخلياً وخارجياً، تؤهل الشخص لمعرفة ماهية التحكيم، وماهو دور المحكم بالنزاع التحكيمي.

ب- أن تلغي وزارة العدل هذا الحظر الموضوع على القضاة بالنسبة للدعاوي التحكيمية التي يتفق الأطراف فيها على تسمية المحكمين دون اللجوء إلى المحكمة لتسميتهم، لما فيه ضمان استقرار المعاملات التي تتضمن شروطاً تحكيمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: تنبيه: محتوى الموقع محمي !!