مقالات وأبحاث

دعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي

| المحامي أحمد وليد منصور - عضو لجنة تعديل قانون التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية

تمهيد

لاتزال مسألة امتداد الحكم التحكيمي إلى غير الموقعين على اتفاق التحكيم، تثير جدلاً واسعاً بالأوساط القانونية، سواء من الناحية الفقهية، أم من الناحية التطبيقية. ويعتبر موضوع اعتراض الغير على الحكم التحكيمي، إحدى هذه المسائل وربما أهمها على الإطلاق.

فالغير الذي تأثرت حقوقه من حكم تحكيمي، يجد نفسه عاجزاً محتاراً نحو الطريق الصحيح والأمثل الذي يتوجب عليه اتباعه للاعتراض على هذا الحكم التحكيمي. وقد ساعد في تشتته هذا، عدم وجود نص قانوني صريح بخصوص هذا الموضوع، والتخبط الواضح بالاجتهاد فيما يتعلق بالطريق الذي يتوجب على الغير اتباعه في سبيل اعتراضه على الحكم التحكيمي.

وفي مقالنا هذا، سنحاول قدر الإمكان معالجة هذا الموضوع، بما يتناسب مع القوانين والاجتهاد الصادرة بشأنه، ومن ثم لنضع رأينا القانوني الصريح فيه، الذي وجدناه أكثر ملائمة للتطبيق العملي بهذا الخصوص، وفقاً للطبيعة القانونية الخاصة التي تحكم كلاً من التحكيم و اعتراض الغير.

أولاً- الطبيعة القانونية للتحكيم والحكم الصادر عنه

إن طبيعة التحكيم القانونية، تقوم على عنصر مزدوج، فهي “تعاقدية” ابتداءً، فلا ينعقد التحكيم إلا إذا رغب أطراف العقد بإحالة نزاعهم إلى التحكيم واستبعاد القضاء الوطني للنظر فيه، و”قضائية” لاحقاً، فالتحكيم منذُ انعقاده إلى صدور قرار تحكيمي يكون له طبيعة قضائية إما من خلال إجراءات التحكيم وعمل المحكمين كعمل قضائي، أو من خلال تدخل القضاء الوطني فيه بكافة مراحله.

وقد تبنت محكمة النقض السورية هذه الطبيعة المزدوجة للتحكيم، فاستقرت بالعديد من اجتهاداتها على: (أن التحكيم يعتبر بحد ذاته قضاء اتفاقي ومن نوع خاص، بمعنى أن المحكمين بحد ذاتهم قضاة من نوع خاص)[1].

ومن هنا يتبين، أن “التحكيم” هو عقد اتفاقي يهدف إلى تحديد الوسيلة التي سيتم من خلالها حسم النزاعات بين أطرافه.

وبالتالي، فإنه كعقد يخضع للقواعد العامة في العقود، لاسيما مانصت عليه المادة /146/ من القانون المدني، التي جاء فيها: ((ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام …..)) كما نصت المادة /153/ من القانون المدني على أنه: ((لايرتب العقد التزاماً في ذمة الغير، ولكن يجوز أن يكسبه حقوقاً)).

وبالتالي، فإن المبدأ العام أنه لايجوز أن يرتب العقد أثراً على الغير باستثناء حالات معينة، يمتد بها العقد إلى الغير كما في حالتي الخلف العام والخلف الخاص.

ونتيجة لهذه الطبيعة التعاقدية، كان للحكم التحكيمي أيضاً الناتج عن اتفاق التحكيم، طبيعة خاصة به، تتلخص بأن الحكم التحكيمي يصدر مبرماً غير خاضعاً لأي طريق من طرق الطعن، ويتمتع بمجرد صدوره بحجية الأمر المقضي به، ويكون ملزماً لأطرافه[2].

أما تنفيذه، فهو إما أن ينفذ طوعاً، وذلك بأن يتقبل الفريق الخاسر الحكم التحكيمي، ويقوم بتنفيذه تلقائياً، وذلك كأن يحكم الحكم التحكيمي بملبغ دين رده المدين إلى الدائن بمجرد صدور الحكم، أو إذا حكم الحكم التحكيمي بتثبيت بيع عقار قام البائع بالنزول طوعاً إلى الدوائر المختصة لفراغه على اسم المشتري.

أما التنفيذ الجبري، فيكون عن طريق دائرة التنفيذ، وهنا فقط يبرز دور محكمة الاستئناف التي جرى التحكيم بدائرتها، كجهة قضائية مختصة قانوناً بإسباغ الصفة الرسمية على الحكم التحكيمي، ليتم تنفيذه جبراً من خلال دائرة التنفيذ.

وهنا، يقع الكثيرون باللغط بين الإلزامية والرسمية في الحكم التحكيمي، فالحكم التحكيمي، بمجرد صدوره يكون ملزماً للأطراف، وهو ليس بحاجة لأي جهة قضائية ليكتسب هذه الصفة الإلزامية، أما ماتقوم به محكمة الاستئناف، فهو إسباغ الطابع الرسمي على الحكم التحكيمي، ليتم تنفيذه جبراً عن طريق دائرة التنفيذ، في حال رفض المحكوم عليه تنفيذه طوعاً.

ودور محكمة الاستئناف بإعطاء الرسمية للحكم التحكيمي حتى يصار إلى تنفيذه جبراً، هو دور رقابي بحت، متعلق بعدم مخالفة هذا الحكم التحكيمي للنظام العام في سوريا، وبعدم تعارضه مع حكم سابق صادر عن المحاكم السورية، وبأن يكون مبلغاً تبليغاً صحيحاً للمحكوم عليه، فإذا ما كان الحكم التحكيمي مستجمعاً لهذه الشروط المنصوص عليها في المادة /56/ من القانون، كان الحكم التحكيمي واجب الإكساء.

ومن ناحية أخرى، تمارس محكمة الاستئناف دوراً رقابياً آخراً على الحكم التحكيمي، وهو البحث ببطلان الحكم التحكيمي، وهذا البحث لا تقوم به المحكمة من تلقاء نفسها، بل يجب إثارة هذه الأسباب بدعوى مستقلة (دعوى البطلان) من قبل الفريق الخاسر للحكم التحكيمي، عندها ينحصر دور محكمة الاستئناف بالنسبة لدعوى البطلان البحث بتوافر إحدى هذه الأسباب الحصرية المعددة بالمادة /50/ من قانون التحكيم، فإذا لم ينطبق على الدعوى أي سبب من هذه الأسباب، يبدأ دور محكمة الاستئناف الجوهري في الحكم التحكيمي، وهو إسباغ الطابع الرسمي على هذا الحكم، كون رد دعوى البطلان يترتب عليه إكساء هذا الحكم صيغة التنفيذ، وعليه، فإنه على محكمة الاستئناف عندما تجد أن أسباب البطلان غير متوفرة بالدعوى ألا تحكم مباشرة برد دعوى البطلان لأن هذا الرد سيترتب عليه أثراً قانونياً وهو منح الرسمية للحكم التحكيمي حتى يكون قابلاً للتنفيذ جبراً أمام دائرة التنفيذ، بل عليها أن تبحث بمدى ملائمة هذا الحكم التحكيمي للنظام العام قبل أن تعطيه الطابع الرسمي، فإذا ماوجدت أن هذا الحكم التحكيمي غير مخالف للنظام العام، أعطت قراراها برد دعوى البطلان ما يعتبر بمثابة إكساء هذا الحكم صيغة التنفيذ.

وخلاصة القول، أن دور محكمة الاستئناف بالنسبة للحكم التحكيمي، هو دور رقابي إجرائي بحت على الحكم التحكيمي، فتلعب محكمة الاستئناف دور ممثل الدولة لإعطاء هذا الحكم الرسمية المطلوبة، ليكون قابلاً للتنفيذ في أراضي الجمهورية العربية السورية، وعليه، لايمكن أن يمتد هذا الدور بأي شكلٍ من الأشكال، لمناقشة أثر هذا الحكم التحكيمي على الغير الذي لم يكن ممثلاً ولا متدخلاً في الدعوى التحكيمية، كون طلبات هذا الغير بما يتعلق بالحكم التحكيمي، تختلف اختلافاً جوهرياً عن الدور القانوني الذي تمارسه محكمة الاستئناف على الحكم التحكيمي.

ثانياً- الطبيعة القانونية لدعوى اعتراض الغير

يوجد لغطٌ كبير بما هو متعلق بدعوى اعتراض الغير، فقد اعتبرها البعض طريقة من طرق الطعن، في حين اعتبرها البعض الآخر دعوى مبتدئة لها قواعدها الخاصة بها، وللأسف فقد امتد هذا اللغظ إلى قرارات الهيئة العامة لمحكمة النقض، فقد جاء بإحدى قرارات الهيئة العامة لمحكمة النقض مايلي: ((دعوى اعتراض الغير هو طعن غير عادي يمارس من قبل شخص لم يكن ممثلاً في القرار المعترض عليه، وقد تضررت مصالحه حقوقه من هذا القرار))[3].

بينما جاء في اجتهاد آخر للهيئة العامة لمحكمة النقض، مايلي: ((إن اعتراض الغير يأخذ شكلاً الدعوى المبتدئة، وهذا ما حدا بالاجتهاد القضائي إلى تقرير المبدأ القائل، بأن اعتراض الغير طريق اختياري يجوز للغير أن يسلكه، كما يجوز أن يستغني عنه وأن يطلب حقه بدعوى أصلية. وهذه الدعوى غايتها تقرير حق المعترض الثابت قبل صدور القرار المعترض عليه، الذي مس بهذا الحق لشخص لم يكن خصماً ولا ممثلاً ولامتدخلاً بالدعوى، وهذا هو صريح نص الفقرة الأولى من المادة /268/ أصول مدنية، وبالتالي فإنه في دعوى اعتراض الغير لابد من حسم المنازعة من حيث الموضوع إما ثبوتاً وعدماً))[4].

وإذا عدنا إلى نصوص قانون أصول المحاكمات المدنية، نجد أن المشرع قد حدد في الباب التاسع طرق الطعن بالأحكام، ولم يذكر فيها على الإطلاق طريق اعتراض الغير كطريق طعن، بل أفرد لهذا الطريق باباً خاصاً به وهو الباب العاشر.

وبرأينا، لايمكن اعتبار اعتراض الغير طريقاً من طرق الطعن بالأحكام عادياً كان أم غير عادي، وذلك، أن المقصود بكلمة طعن، هو تجريح الحكم لخلل اعتوره إما شكلاً أو موضوعاً، مايترتب على الطعن فسخ الحكم أو نقضه جراء هذا الخلل الذي أصاب ركناً من أركانه.

أما في اعتراض الغير، فالأمر مختلف تماماً، فالحكم صدر صحيحاً لايعتريه أي خلل قانوني شكلي أو موضوعي، إنما امتد أثر هذا الحكم بنتيجته إلى الغير الذي لم يكن ممثلاً أو خصماً أو متدخلاً فيه، مايترتب عليه، إفساح المجال الدستوري لهذا الغير باللجوء إلى القضاء والدفاع عن حقه الذي تأثر جراء صدور هذا الحكم.

وقد أوضحت المادة /273/ من قانون أصول المحاكمات المدنية، بشكل صريح عن الأثر الذي يترتب عليه رفع دعوى اعتراض الغير وقبولها موضوعاً من قبل المحكمة، فمنحت المحكمة حق تعديل الحكم جزئياً بما يمس حقوق الغير إذا كان الحكم قابل للتجزئة، وبتعديل الحكم كلياً إذا كان الحكم غير قابل للتجزئة[5].

ومن هنا لايمكن القول بأن القرار الذي تم قبول دعوى اعتراض الغير عليه، هو قرار باطل، بل هو قرار مستجمع لكافة أركانه، ولكن أثره قد أصاب حقاً للغير، وبالتالي كان عرضة لتدخل هذا الغير فيه بدعوى مبتدئة إذا كان الاعتراض أصلياً، أو على شكل استدعاء يقدم إلى المحكمة الناظرة بالدعوى إذا كانت مساوية أو أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم المعترض عليه، وهذا يسمى باعتراض الغير الطارئ[6].

ثالثاً- اجتهاد المحاكم السورية المتعلق باعتراض الغير على الحكم التحكيمي

المتابع لاجتهاد المحاكم السورية فيما يخص دعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي، يجد أن هذه المحاكم قد استقرت على مبدأين، الأول هو عدم قبول دعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي، والثاني، أن دعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي تكون فقط على القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بإكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ، كون هذا القرار هو الذي أعطى حكم المحكمين حجية الأمر المقضي، وفقاً لما استقر عليه الاجتهاد.

فقد جاء باجتهاد لمحكمة النقض السورية، على أنه: ((حيث إن التحكيم ليس قضاءً عادياً وإنما هو قضاء من نوع خاص شرع لاعتبارات وحالات معينة وبالتالي فالأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم لا تأخذ صفة الأحكام التي هي للأحكام الصادرة عن محاكم القضاء العادي.

وحيث أن المادة /53/ من قانون التحكيم /4/ لعام 2008 قد علقت اكتساب حكم المحكمين لحجية الأمر المقضي به، على حالة إكسائه صيغة التنفيذ وهذا الاكساء يحصل من قبل القضاء العادي كما نصت عليه المادة /54/ من هذا القانون مما يعني أن الحجية التي هي للأحكام القضائية تضفى على قرارات المحكمين وقت الاكساء لاقبله وذلك لكونها ليست قرارات قضائية بكل ماتعنيه هذه الكلمة وبالتالي فهي لاتخضع للطعن بطريق اعتراض الغير وإنما الذي يخضع للطعن بهذا الطريق هو قرار الإكساء لأنه هو القرار القضائي وهذا ماسارت عليه محكمة النقض بقرارها /562/ أساس غرفة مدنية أولى /585/ تاريخ 19/09/2011.

وحيث أن القرار المعترض عليه هو قرار تحكيمي يخضع حسب هذا القانون لدعوى الإكساء أمام محكمة الاستئناف التي تصدر قرارها بهذا الشأن مبرماً لايقبل الطعن بالنقض، وبالتالي فإن قرار محكمة الاستئناف بدعوى الاعتراض لايمكن أن يقبل الطعن بالنقض))[7].

وفي اجتهاد آخر لمحكمة النقض السورية، رفضت محكمة النقض الطعن بدعوى اعتراض الغير على حكم تحكيمي مقام أمام محكمة الاستئناف، وذلك وفقاً لتعليلها التالي: ((حيث أن القرار الذي يصدر عن محكمة الاستئناف سواء بإكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ، أم برد دعوى الإكساء يصدر مبرماً عملاً بأحكام المادة /54/ من قانون التحكيم رقم /4/ لعام 2008، وحيث أنه تبعاً لذلك فإن القرار الصادر عن هذه المحكمة في معرض نظرها بدعوى اعتراض الغير المنصبة على قرار الإكساء هو الآخر يصدر مبرماً لأن الفرع يتبع الأصل ولايمكن أن يعطى الفرع طريق طعن ليس للأصل مثله))[8].

وقد سارت على هذا الاتجاه محكمة الاستئناف المدنية المختصة بالقضايا التحكيمية بريف دمشق، فقبلت بالأكثرية دعوى اعتراض الغير على حكم صادر عنها بخصوص دعوى الإكساء، وحكمت بقبول دعوى اعتراض الغير موضوعاً وعدلت القرار التحكيمي بما يتناسب مع أحقية الغير باستعادة الشقق السكنية موضوع الدعوى التحكيمية لصالح الجهة المعترضة[9].

في حين سارت محكمة الاستئناف المدنية المختصة بالقضايا التحكيمية بدمشق، وبما يتعلق بدعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي، حيث اعتبرت أن محكمة الاستئناف المدنية المختصة بالقضايا التحكيمية، هي محكمة غير مختصة بالنظر بدعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي[10].

رابعاً- رأينا القانوني بما يتعلق بدعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي

إننا نخالف وبشدة، ماذهب إليه اجتهاد المحاكم في سورية، بخصوص كون الحكم التحكيمي لايقبل بذاته اعتراض الغير، وأن اعتراض الغير مقبول على القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بإكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ، أو القرار الصادر برد دعوى البطلان الذي يعتبر بمثابة إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ، وذلك يرجع إلى الأسباب التالية:

1- إن الطبيعة القانونية لدعوى اعتراض الغير، تجعل من هذه الدعوى دعوى موضوعية بحتة وفقاً لما استقر عليه اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض، وبالتالي فإنه على القاضي الذي ينظر بدعوى اعتراض الغير، أن ينظر بموضوع النزاع في القرار المعترض عليه، ومدى أحقية الغير بتعديل هذا القرار بما يتناسب مع حقوقه.

في حين أن الطبيعة القانونية لدعوى الإكساء أو البطلان، هي طبيعة شكلية إجرائية بحتة، ليس للقاضي فيها صلاحية الخوض بموضوع النزاع التحكيمي، بل هو يبحث بمدى ملائمة هذا الحكم التحكيمي للنظام العام في الجمهورية العربية السورية، حتى يتم اسباغ الصفة الرسمية على الحكم التحكيمي ليصار إلى تنفيذه جبراً عن طريق دائرة التنفيذ.

وإن ماجاء باجتهاد محكمة النقض السورية، بأن الحكم التحكيمي لايحوز حجية الأمر المقضي إلا بعد إكسائه من محكمة الاستئناف، هو أمر مخالف للقانون الذي نص بصريح العبارة بالمادة /53/ من قانون التحكيم السوري على أن: ((تتمتع أحكام المحكمين الصادرة وفق أحكام هذا القانون بحجية الأمر المقضي به وتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف، أو بصفة إجبارية بعد إكسائها صيغة التنفيذ)).

أي أن الإكساء لايمنح الحكم التحكيمي حجية الأمر المقضي به، بل هو يمنحه فقط الصفة الرسمية التي تمكن الأطراف من تنفيذ هذا الحكم جبراً عن طريق دائرة التنفيذ.

2- إن صلاحيات القاضي عندما ينظر في دعوى اعتراض الغير واسعة جداً، فهو يمتلك تعديل القرار المعترض عليه كلاً أو جزءاً بحسب أحقية هذا الغير بالحق موضوع النزاع في القرار المعترض عليه، وهذه صفة أصيلة له كونه القاضي المختص أصلاً بالنظر بهذا النزاع.

في حين أن صلاحيات محكمة الاستئناف بالنسبة لأحكام التحكيم، هي صلاحيات محدودة جداً، ولايحق لقاضي محكمة الاستئناف النظر بموضوع النزاع وتعديله والبحث فيه، وإن مايملكه هو دور رقابي يتعلق إما بإكساء حكم التحكيم صيغة التنفيذ إذا وجد أن هذا الحكم منسجماً مع النظام العام ولايعارض أحكام سابقة بذات النزاع صادرة عن المحاكم السورية، أو رد الإكساء لمخالفة الحكم التحكيمي لشروط الإكساء، التي كما ذكرنا هي شروط إجرائية شكلية بحتة غير مرتبطة بموضوع النزاع.

وقاضي محكمة الاستئناف الناظرة بدعاوى البطلان، لايملك إلا أن يصدر قراراً بإبطال التحكيم كلاً أو جزءاً، أو برد دعوى البطلان، فهو لايملك الحق بتعديل الحكم التحكيمي، والتعديل هو النتيجة الأصيلة لدعوى اعتراض الغير، كون القرار المعترض عليه اعتراض الغير هو قرار صحيح وليس باطل كما ذكرنا، ويترتب على قبول دعوى اعتراض الغير تعديل القرار وليس بطلانه وفقاً لنص القانون.

3- لما كان الحكم التحكيمي وفقاً لما هو منصوص عليه بقانون التحكيم، يحوز حجية الأمر المقضي بمجرد صدوره عن هيئة التحكيم، ولنفترض أن أطراف الحكم التحكيمي لم يقوموا برفع دعوى إكساء هذا الحكم التحكيمي أو دعوى بطلان له، بل قرروا تنفيذ هذا الحكم طوعاً فيما بينهم. فكيف يمكن والحال هذه لما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض، أن يقدم اعتراض الغير على الحكم التحكيمي أمام محكمة الاستئناف الناظرة بالقضايا التحكيمية، وهي لم تنظر أصلاً بهذا الحكم التحكيمي بل أودع في ديوانها فقط.

ومن المعلوم أن الحكم التحكيمي له إجراءات تدبيرية وتحفظية، على سبيل المثال وضع حجز احتياطي لصالح الملف التحكيمي من قبل القضاء المستعجل، وضع إشارة دعوى على عين العقار لصالح الملف التحكيمي، من قبل محكمة الاستئناف، وعلى فرض تقصد أطراف الحكم التحكيمي الإضرار بمصالح الغير وحصلوا على قرار تحكيمي مبرم  وضعت لأجله تدابير تحفظية، ولكنهم لم يقوموا برفع دعوى اكساء أو بطلان أمام محكمة الاستئناف فأين يتوجب على هذا الغير التوجه للاعتراض على الحكم التحكيمي الذي أضر بمصالحه ..؟؟

بعد استعراض هذه النقاط المتعلقة بطبيعة اعتراض الغير وطبيعة دعوى اكساء وبطلان الحكم التحكيمي، وتماشياً مع حق التقاضي والتمثيل المصان بالدستور، نجد أن دعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي، يجب أن تقام أمام المحكمة المختصة أصلاً بالنظر بالنزاع والتي تخلت عن النظر عنه لوجود شرط تحكيمي، حيث أن تخلي المحكمة المختصة عن نظرها للنزاع الذي تضمن شرطاً تحكيمياً لصالح هيئة التحكيم، هو تخلي محصور بين أطراف اتفاق التحكيم الذين رغبوا بإحالة نزاعهم إلى هيئة التحكيم، ولايمكن بأي شكلٍ من الأشكال تعطيل دور المحكمة المختصة بالنسبة للغير الذي لم يكن طرفاً باتفاق التحكيم، ولم يكن خصماً أو ممثلاً أو متدخلاً بالدعوى التحكيمية، ونتمنى من أن تصدر محكمة النقض المختصة قراراً واضحاً يتعلق بدعوى اعتراض الغير على الحكم التحكيمي، لحين أن يتم تقنين هذه الدعوى بقانون التحكيم في حال تم تعديل قانون التحكيم السوري الحالي.

[1] – الغرفة المدنية الأولى /أ/ لدى محكمة النقض السورية – القرار 16 – أساس 35 – تاريخ 29/01/2020.

[2] – نصت المادة /53/ من قانون التحكيم السوري رقم /8/ لعام 2004 على مايلي: ((تتمتع أحكام المحكمين الصادرة وفق أحكام هذا القانون بحجية الأمر المقضي به، وتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف، أو بصفة إجبارية إذا رفض المحكوم عليه تنفيذها طوعاً بعد إكسائها صيغة التنفيذ)).

[3] – الهيئة العامة المدنية لمحكمة النقض – القرار /21/ – أساس /278/ – تاريخ 06/02/2022.

[4] – الهيئة العامة المدنية لمحكمة النقض – القرار /42/ – أساس /249/ – تاريخ 27/02/2022.

[5] – نصت المادة /273/ من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري على مايلي: ((أ- إذا كان الغير محقاً في اعتراضه عدلت المحكمة الحكم في حدود مايمس حقوق هذا الغير. ب- إذا كان الحكم المعترض عليه لايقبل التجزئة عدلت المحكمة الحكم بكامله)).

[6] – نصت المادة /269/ من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري على أنه: ((أ- اعتراض الغير على نوعين أصلي وطارئ.

ب- يقدم الاعتراض الأصلي إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه باستدعاء وفقاً للإجراءات العادية.

ج- يقدم الاعتراض الطارئ باستدعاء إلى المحكمة الناظرة في الدعوى إذا كانت مساوية أو أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم المعترض عليه وكان النزاع الذي صدر فيه الحكم داخلاً باختصاصها)).

[7] – محكمة النقض السورية – الغرفة المدنية الأولى /أ/ – القرار /21/ – أساس /56/ – تاريخ 08/07/2017.

[8] – محكمة النقض السورية – الغرفة المدنية الأولى /ب/ – القرار – أساس /76/ – تاريخ 07/06/2020.

[9] – محكمة الاستئناف المدنية الأولى بريف دمشق – القرار /4/ – أساس /4 تحكيم/ – تاريخ 10/02/2022.

[10] – محكمة الاستئناف المدنية الأولى بدمشق – القرار /77/ – أساس /42/ – تاريخ 13/10/2021.

يمكنكم متابعة الوثيقة أدناه، مع الرجاء الانتظار للحظات ريثما يتم تحميلها داخل الموقع:
Opinion 17-6-22
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: تنبيه: محتوى الموقع محمي !!