مقالات وأبحاث

التحكيم في المنازعات الادارية في ضوء احكام القانون رقم 4 لعام 2008

| القاضي المستشار أحمد حمادة

رسخ المشرع من خلال القانون رقم 4 لعام 2008 قواعد وإحكام قانونية يتم اللجوء إليها كأسلوب اتفاقي لحل المنازعات .
ويعتبر التحكيم بديلا عن القضاء العادي يتم اللجوء إليه لحل المنازعات بسرعة ومرونة وذلك من خلال القواعد القانونية الاتفاقية التي كرسها قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008
أما فيما يتعلق بالمنازعات الإدارية .
فهل يجوز اللجوء إلى التحكيم لحل المنازعات الإدارية وما هي الضوابط القانونية التي حددها المشرع في ضوء ذلك ؟
ويقصد بالمنازعات الإدارية على وجه العموم تلك المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية
ولا بد لنا من تسليط الضوء على تعريف العقد الاداري الذي اختلف الفقهاء على وضع تعريف محدد له ألا إن أكثر الفقهاء عرفوا العقد الإداري بأنه العقد الذي يكون احد اطرافه شخصا معنويا عاما وغايته تسيير مرفق ابتغاء تحقيق مصلحة عامة .
وبناء عليه فان العقد الإداري يتميز عن غيره من العقود أن الإدارة تكون طرفا بالعقد بوصفها صاحب سيادة وبموجب العقود الإدارية يتم تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة أي ان يتعلق العقد الإداري بتسيير مرفق عام وبذلك نجد إن العقد الإداري يتضمن شروطا غير مألوفة وتخرج عن نطاق الشروط التعاقدية في العقود الخاصة
وحيث إن اللجوء إلى التحكيم يكون بموجب اتفاق بين الأطراف وبناء عليه يمكن استخلاص تعريفا للتحكيم الإداري بأنه عقد يتم بين طرفين يكون احدهما الإدارة بصفتها صاحبة سيادة وسلطان والطرف الأخر شخص معنوي أو طبيعي ويتم الاتفاق بين طرفي العقد على انه في حال نشوب نزاع يتصل بتفسير العقد أو تنفيذه أو تطبيقه يتم اللجوء الى التحكيم بدلا من القضاء المختص .
ولكن من هي الجهة المختصة صاحبة الصلاحية بنظر التحكيم الإداري ؟
وهنا كان من الضروري العودة لإحكام كلا من القانون رقم 4 لعام 2008 والقانون رقم 51 لعام 2004 المتعلق بنظام العقود
وحيث إن المادة الثانية من قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 نصت على انه :
1- مع عدم الإخلال بالاتفاقيات المعمول بها في الجمهورية العربية السورية تسري أحكام هذا القانون على أي تحكيم يجري في سوريا كما تسري على أي تحكيم تجاري دولي يجري في الخارج اذا اتفق طرفاه على إخضاعه لأحكام هذا القانون
2- يبقى التحكيم في منازعات العقود الإدارية خاضعا لأحكام المادة 66 من نظام العقود الصادر بالقانون رقم 51 تاريخ 9/12/2004 .
كما نصت المادة 66 من القانون رقم 51 تاريخ 9/12/2004 على انه :
أ‌- إن القضاء الإداري في الجمهورية العربية السورية هو المرجع المختص للبت في كل نزع ينشا عن العقد .
ب‌- يجوزان ينص في وثائق الشروط الخاضعة والعقد اللجوء إلى التحكيم وفقا للأصول المتبعة أمام القضاء الإداري وتشكل لجنة التحكيم برئاسة مستشار من مجلس الدولة يسميه رئيس مجلس الدولة وعضويين تختار احدهما الجهة العامة ويختار المتعهد العضو الأخر .
ج- يمكن إن ينص في العقود الخارجية بموافقة الوزير المختص بالذات على جهة تحكيمية خاصة خلافا لإحكام البندين أ-وب السابقتين .
وبناء عليه وبموجب احكام المادة 66 من القانون رقم 51 لعام 2004 أجاز المشرع من حيث المبدأ في الفقرتين أ و ب إخضاع المنازعات الإدارية وحلها بواسطة التحكيم عن طريق القضاء الاداري على ان يتم إتباع الأصول المتبعة امام القضاء الاداري في إجراءات التحكيم ويؤخذ على هذا النص ان المشرع أعطى الحق للإدارة بتسمية رئيس لجنة التحكيم واحد أعضائه
الا ان الفقرة /ج/ من المادة 66 من القانون رقم 51 لعام 2004 أوردت استثناء على هذا المبدأ حيث اجازت اخضاع العقود الادارية الخارجية لجهة تحكيمية أخرى ( غير الإدارة ) بشرط موافقة الوزير المختص بالذات
وبناء عليه فان التحكيم في العقد الإداري الخارجي يجوز بموجب هذا الاستثناء اخضاعه لاحكام القانون رقم 4 لعام 2008 او غيره بشرط موافقة الوزير المختص والمعيار الذي حدده المشرع في ضوء ذلك ان يكون الطرف المتعاقد مع الادارة خارجيا وان يخضع العقد المتضمن شرط التحكيم لموافقة الوزير المختص على اجراء التحكيم بعيدا عن القضاء الاداري واجراءته
ولا بد لنا من تسليط الضوء على تعريف العقد الإداري ( الخارجي ) الدولي بانه عقد تبرمه الدولة بوصفها سلطة عامه اويبرمه شخص معنوي من رعايا الدولة مع شخص طبيعي او معنوي من رعايا الدولة أخرى ويجب ان تتوفر في هذا العقد ما يجب توافره في عناصر العقد الإداري بشكل عام .
وبناء عليه فأنه يتم تحديد طبيعة العقد الاداري وتعين المرجع في المنازعات الادارية التي تلحق به احكام المادة 66 بفقراتها الثلاثة التي حددت المعاييروالضوابط .
ولا بد من التنويه الى انه سبق وان صدر عن محكمة غرفة تنازع الاختصاص المدنية لدى محكمة النقض القرار رقم 7 بالدعوى رقم اساس 19 تاريخ 22/12/2019 في معرض تحديد المحكمة المختصة بنظر التحكيم الإداري إلا انه ومن خلال الاطلاع على حيثيات القرار فان المحكمة المذكورة حددت ضوابط الاختصاص لمحكمة القضاء الاداري بنظر الخلاف الناجم عن العقد الإداري استنادا إلى انه يتعلق بتسيير مرفق عام وتضمن شروطا استثنائية غير مألوفة في العقود المدنية .
ومن خلال التعقيب على هذا القرار فان غرفة تنازع الاختصاص لم تناقش الدعوى المذكورة في قرارها استنادا لأحكام الفقرة / ج / من المادة 66 من القانون رقم 51 لعام 2004 لا سيما وان العقد موضوع الدعوى خاضع لموافقة وتصديق الوزير المختص بإخضاع التحكيم لإحكام القانون 4 لعام 2008 وإنما تم مناقشة القرار المذكور استنادا إلى انه يتعلق بتسيير مرفق عام خلافا للمعايير المذكورة في الفقرة /ج/ من المادة 66 من القانون رقم 51 لعام 2004 فتم تحديد المحكمة المختصة بنظر الدعوى (محكمة القضاء الإداري) على ضوء ذلك
ولا بد من الإشارة إن الإحكام الناظمة لقانون مجلس الدولة رقم 32 لعام 2019 أجازت اللجوء إلى التحكيم حيث نصت المادة العاشرة على ما يلي :
1-يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والاشغال العامة والتوريد أو بأي عقد إداري أخر وكذلك العقود التي تبرمها النقابات المهنية والمنظمات الشعبية إذا كانت تلك العقود مبرمة وفقا لإحكام أنظمة عقود الجهات العامة .
2-يجوز اللجوء إلى التحكيم في العقود التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في المنازعات الناشئة عنها .
وإنني أرى انه في حالة إخضاع العقود الإدارية لإحكام المادة 66 من القانون 51 لعام 2004 وفي ضوء القوانين التي كانت سارية والقانون رقم 32 لعام 2019 الخاصة بمجلس الدولة فان هذه العقود يجب إن لا تخضع لاستفتاء الإدارة المختصة في مجلس الدولة عندما تتجاوز قيمتها المبالغ المبينة في المادة 71 من القانون 32 لعام 2019 أو المبالغ المحددة في العقود وفق إحكام القوانين السابقة .
وحيث ان تحديد الاختصاص في ضوء ما سلف بيان فيما يتعلق بتحديد الجهة المختصة بنظر التحكيم بالنسبة للعقود الإدارية المتضمنة شرط تحكيم يجب ان يتم بحثه في ضوء المعايير المحددة في المادة 66 من القانون رقم 51 لعام 2004 في معرض تحديد المحكمة المختصة
وفي الختام اتمنى من الله عز وجل إن اكون قد وفقت في تسليط الضوء على جانب من جوانب التحكيم في العقود الإدارية وجواز إخضاعها لإحكام القانون رقم 4 لعام 2008 والله من وراء القصد .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيراً .
    لقد أحطت بالموضوع من كل جوانبه رغم اختصاره فقد اوجزت واجدت .
    ونرى ان سلطة الادارة واسعة في تكييف العقد وفي عرض النزاع على التحكيم وكذلك تتجلى سلطتها في اختيار اثنين من ثلاثة محكمين في القضية التحكيمية .
    اكرر شكري وامتناني وبانتظار المزيد لنفيد من علمكم الغزير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: تنبيه: محتوى الموقع محمي !!