إن كان اللجوء إلى القضاء، هو حق مصان بأحكام الدستور، فإن اللجوء إلى التحكيم هو عبارة عن اتفاق، لا يلزم من حيث المبدأ إلا الأطراف الموقعين عليه، وبالتالي لا يجوز إلزام الغير باتفاق تحكيم غير موقع من قبله، وذلك عملاً بالقاعدة القانونية العامة ” أن العقد لا يرتب التزاماً في ذمة الغير ” م/153/ قانون مدني سوري، فالأصل هو اللجوء إلى القضاء، والاستثناء هو اللجوء إلى التحكيم.
وعلينا الاتفاق، أن مايصح أمام القضاء الوطني، لا يستتبع حكماً أن يصح أمام هيئة التحكيم، فالأثر الملزم للاتفاق التحكيمي، يقتصر على دائرة الفرقاء والمتعاقدين تلازماً، لأن المحكم بعكس القاضي العدلي لا يمكنه من حيث المبدأ أن يحكم بإدخال شخص أو قبول تدخله مالم يكون طرفاً في الاتفاق التحكيمي، ومن هنا نشأت الأسئلة والاستفسارات التالية:
– هل من الممكن أن يمتد اتفاق التحكيم إلى غير الموقعين على العقد ؟
– هل يجوز إدخال الغير أو قبول تدخله في الحكم التحكيمي ؟
– هل يجوز إلزام الغير إبراز ورقة بحوزته تكون منتجة في النزاع التحكيمي ؟
– هل يجوز اعتراض الغير على الحكيم التحكيمي ؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، فإننا سنبحث بالمسائل القانونية التالية:
1- الوكالة.
2- الخلف العام.
3- دمج الشركات.
4- الحلول.
5- التلازم بين العقود.
6- إدخال الغير.
7- تدخل الغير.
8- اعتراض الغير.
1- الوكالة
من المعروف أن العمل القانوني الذي يبرمه الوكيل لمصلحة موكله، هو عمل ملزم للموكل، ويترتب عليه كافة الآثار والمفاعيل، كما لو أن الموكل هو الذي أبرم العقد بنفسه.
إلا أن القانون قد حظر بعض الأعمال على الموكل، إذا لم يحصل على توكيل خاص بها، ومن هذه الأعمال التي حظرها القانون هي “التحكيم” .
فقد نصت المادة /668/ من ق.م على أنه:
(( لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة، وبوجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء)).
كما نصت المادة /480/ ق.أ.م.م على أنه:
(( لايصح بغير تفويض خاص التنازل عن الحق المدعى به ولا الصلح عليه ولا التحكيم فيه ….. ويجوز التنصل من كل ما يقع خلاف ذلك))
يستتبع هذا الأمر، بطلان كل اتفاق على تحكيم، يبرمه الوكيل باسم الموكل، لا يكون هناك تفويض خاص به، إلا أن هذا البطلان يكون نسبياً، أي أنه يزول بإجازة الموكل اللاحقة لهذا العمل، سواء أكانت هذه الإجازة صريحة، أم ضمنية بأن يحضر مجلس التحكيم دون أن يعترض على إجراءاته.
إلا أن المشكلة الحقيقية تثور، في حال تمسك الموكل ببطلان الاتفاق على التحكيم الذي أبرمه وكيله نيابة عنه من دون تفويض خاص بذلك، فما هي الآلية التي يتوجب على الموكل اتباعها لإبطال هذا الاتفاق التحكيمي.
أ- حالة وجود نزاع منظور أمام هيئة التحكيم:
يحق للموكل في هذه الحالة التنصل من عمل الوكيل بأن يتقدم باستدعاء أمام هيئة التحكيم، طالباً منها إبطال اتفاق التحكم م /481/ ف /أ/ ق.أ.م.م، كون هذا الاتفاق قد تم إبرامه من قبل شخص غير مفوض بإبرامه، ويترتب لقبول هذا الادعاء، ألا يكون قد مضى على قيام الموكل بالاتفاق على التحكيم أكثر من /6/ أشهر م /482/ من ق.أ.م.م.
ب- حالة عدم قيام نزاع تحكيمي:
يحق للموكل في هذه الحالة، أن يرفع دعوى تنصل مستقلة أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع التي يقع موطن الموكل في دائرتها، م /483/ ق.أ.م.م يطلب من خلال هذه الدعوى ابطال اتفاق التحكيم الذي أبرمه الوكيل نيابة عنه، بدون تفويض خاص.
وقد اختلف بعض الفقهاء في التطبيق القانوني لهذه المادة، فمنهم من اعتبر أن المحكمة المختصة بتقديم إدعاء التنصل الأصلي، هي محكمة الاستئناف المعرفة بالمادة /3/ من ق.ت، وذلك كون اختصاص إعلان بطلان اتفاق التحكيم يدخل من صلب اختصاصها، إلا أننا لا نؤيد هذا الرأي، لكون اللجوء إلى محكمة الاستئناف، يعني ضمنياً أن الموكل قد اعترف بصحة الاتفاق التحكيمي، وأن اللجوء لهذه المحكمة، هو أحد الآثار المترتبة على الاتفاق التحكيمي، وخاصةً أن صلاحيات هذه المحكمة حددت على سبيل الحصر، ولا يدخل الادعاء بالتنصل من ضمن هذه الصلاحيات، وبالتالي، فإن الادعاء بالتنصل يقدم أمام المحكمة المختصة أصلاً بالنظر في النزاع.
ج- حالة صدور قرار من هيئة التحكيم:
لما كانت أحكام التحكيم تتمتع بحجية الأمر المقضي به وتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ، م /53/ ق.ت، ولما كان الادعاء بالتنصل لا يقبل من عمل بني عليه حكم حاز قوة القضية المقضية، م /484/ ق.أ.م.م، فبالتالي لا يمكن الادعاء ببطلان الحكم التحكيمي، لكون هذا الحكم متمتع بقوة القضية المقضية، وخاصةً أن دعوى البطلان المنظورة استناداً إلى بطلان اتفاق التحكيم، تعنى بالبطلان المطلق للاتفاق التحكيمي، وليس بالبطلان النسبي الذي تزول آثاره ومفاعيله بصدور قرار مبرم متمتع بحجية الأمر المقضي به.
2- الخلف العام
الخلف العام، هو من يخلف السلف في ذمته المالية كلها وهو الوارث لكل التركة أو جزء منها أو الموصى له بحصة من التركة.
فالأصل في العقود أن أثر العقد ينصرف إلى المتعاقدين والخلف العام ما لم يتبين من العقد أو من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام، وأثر العقد هو ما يترتب عليه من حقوق والتزامات مثل القيام بعمل او الامتناع عن عمل، والأحوال التي لا تنتقل فيها آثار العقد إلى الخلف العام هي :
(أ) إذا اتفق المتعاقد أن على عدم انتقال آثار العقد إلى الخلف العام كان يتفق في عقد إيجار على أن ينتهي العقد بموت المستأجر.
(ب) إذا كانت طبيعة العقد تأبى انتقال آثاره إلى الخلف العام ومثالة العقود التي تبرم مع أصحاب المهن كالمحامي والمهندس.
(ج) إذا نص النظام أو القانون على عدم انتقال آثار عقد إلى الورثة كما في النص على انقضاء الشركة بموت أحد الشركاء وانقضاء الوكالة بموت الوكيل أو الموكل.
(د) إذا أقتضت حماية الورثة أن تكون الوصية – وهي تصرف قانوني صادر من المورث – غير نافذة في حق الورثة فيما يجاوز ثلث التركة .
هذا كان بالنسبة للعقود بمعناها العام، فمن المنطقي أن العقود المتعلقة بذات المتعاقد لا يمكن أن تنتقل إلى ورثته في حال وفاته، كأن يتفق مهندس مع شخص آخر على أن يصمم لهُ منزلاً، ثم يتوفى هذا المهندس، فمن غير المعقول أن يطلب من الورثة أن يلتزموا بتنفيذ هذا العقد، وخاصةً أن لمهنة الهندسة شروطاً وقواعد لا تتوفر إلا بالمهندسين المرخص لهم بمزاولة المهنة، ولكن ما ينطبق على العقود، لا ينطبق على اتفاق التحكيم، فاتفاق التحكيم ينتقل حكماً وبكافة الأحوال إلى الخلف العام، سواءً أكان العقد متعلقاً بذات المؤرث أم لم يكن، فاتفاق التحكيم بحد ذاته لا يكسب حقوقاً ويرتب التزامات، بل هو وسيلة لحل النزاعات، بديلة للقضاء الوطني، وبالتالي، طالما ضمنَ المؤرث في عقوده اتفاق للتحكيم، فإن خلفه العام ملتزم بهذا الاتفاق، واللجوء إلى التحكيم كوسيلة لحل النزاعات.
ففي مثالنا السابق، وإن كان لا يحق للمتعاقد مع المهندس أن يلزم ورثته بتنفيذ الالتزام بمتابعة الأعمال الهندسية الخاصة بمنزله، إلا إنه يحق له فيما إذا كان هناك مبالغ مالية قد تم تسديدها للمؤرث قبل وفاته، وتضمن العقد بين المهندس والمتعاقد الآخر اتفاقاً على التحكيم، أن يُفَعلَ هذا الاتفاق بحق الورثة، وأن يطلب منهم استرداد مادفعه لمؤرثهم فيما لو رفضوا إعادته بالطرق الودية، عن طرق التحكيم، إعمالاً للاتفاق التحكيمي.
وبالتالي، فإن اتفاق التحكيم يمتد حكماً، إلى ورثة المتعاقدين، الذين ضمنوا عقودهم والتزاماتهم اتفاقاً على التحكيم، وهذا ما أكدت عليه المادة /146/ من القانون المدني، التي جاء فيها:
((ينصرف أثر العقد إلى المتعاقدين والخلف العام ….))
ولايحق للورثة بأي حال من الأحوال رفض اللجوء إلى التحكيم، في النزاعات الناشئة عن عقود أبرمها مؤرثيهم والتي تتضمن شرطاً تحكيمياً، بحجة شخصية العقد وتعلق العقد بذات مؤرثهم.
3- اندماج الشركات
نصت المادة /218/ ق.ش على أنه:
((1- للشركة أن تندمج في شركة أخرى سورية وفقاً للإجراءات الواردة في هذا الباب، وتلك المتعلقة بتعديل العقد أو النظام الأساسي.
2- يتم الدمج إما بأن تندمج شركة (الشركة المندمجة) بشركة أخرى (الشركة الدامجة) بحيث تنقضي الشركة المندمجة وتزول شخصيتها الاعتبارية، وتبقى الشركة الدامجة وحدها القائمة بعد الدمج أو باندماج شركتين لتأسيس شركة جديدة تكون هي الشركة الناتجة عن الاندماج بحيث تنقضي الشركتان المندمجتان وتزول شخصيتهما الاعتبارية اعتباراً من تاريخ شهر الشركة الناتجة عن الدمج)).
ونصت المادة /222/ من ق.ش، على أنه:
((تعتبر الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج خلفاً قانونياً للشركات المندمجة وتنتقل كافة الحقوق والالتزامات للشركات المندمجة إلى الشركة الدامجة أو الناتجة عن الاندماج))
وعليه فإن كل اتفاق على التحكيم، أبرمته الشركة المندمجة، يعتبر ملزماً للشركة الدامجة أو الشركة الناتجة عن الاندماج، كون هاتين الأخيرتين أصبحتا خلفاً خاصاً للشركة المندمجة بكافة حقوقها وواجباتها.
4- الحلول
يعتبر ((الحلول)) أحد الأشكال الأكثر شيوعاً التي يمتد آثار العقود والالتزامات فيها، إلى شخص ثالث، لم يكون أصلاً طرفاً في العقد والالتزامات، ومن أنواع الحلول مايلي:
أ- حوالة الحق:
إذا أبرم بائع ومشتري عقداً لسلعة معينة، وتضمن هذا العقد لشرط تحكيمي، وكان هناك جزء من الالتزام المتبقي بذمة المشتري لمصلحة البائع، فإنه يجوز للبائع في هذه الحالة أن يقوم بإحالة حقه المنصوص عليه في عقد البيع إلى شخص ثالث لم يكن طرفاً أساساً في العقد، وتنتقل إلى هذا الشخص كل الحقوق والالتزامات المترتبة بحق المحيل اتجاه الدائن، ولا تحتاج هذه الإحالة إلى رضاء المدين، م /303/ ق.م
إلا أنه، لا تعتبر هذه الحوالة، نافذة بحق المدين إلا إذا قبل بها أو تبلغها م /305/ ق.م
وعليه، فإن للمحال له، أن يتمسك بوجود شرط التحكيم المنصوص عليه في العقد المحال، بمواجهة المدين، ولا يشترط لنفاذ هذا الأمر موافقة المدين، بل يكفي أن يتبلغه، لتنتقل كافة آثار العقد إلى المحال له، كما يحق للمدين أن يتمسك بهذا الشرط قبل المحال له، كونه من الدفوع التي كان يحق له أن يتمسك بها قبل المحيل وقت نفاذ الحوالة في حقه، م /312/ ق.م
ب- حوالة الدين:
ويختلف الحال في حوالة الحق، عنها في حوالة الدين، فحوالة الدين، هي أن يقوم شخص مدين بالاتفاق مع شخص آخر بتحمل الدين عنه، م /315/ ق.م ووجه الاختلاف هنا، أنه لا يحق للمحال عليه الدين في هذه الحالة أن يتمسك تجاه الدائن بالشرط التحكيمي، إلا إذا أقر هذا الأخير الحوالة صراحةً، م /316/ ق.م
فإذا، لم يقر الدائن هذه الحوالة، فإنه لا يحق للمحال عليه، أن يلزمه بالشرط التحكيمي المنصوص عليه في العقد المبرم أصلاً بينه وبين المدين، كون هذه حوالة الدين تختلف عن حوالة الحق التي تتم دون رضاء المدين، ويكتفي تبليغه بها لتكون نافذة بحقه.
5- التلازم بين العقود
إن أكثر الأنواع شيوعاً بهذا الخصوص، هي في عقود ال (B.O.T) التي تبرمها الدولة مع شركة أخرى بغرض تنفيذ مشروع معين، فبالكثير من الأحيان، تلجأ الشركة التي رسى عليها عقد ال (B.O.T) بتأسيس شركة أخرى لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة، تبرم معها عقداً لغاية تنفيذ واستثمار وإدارة هذا المشروع المبرم مع الدولة، وقد قبلت الحكومة السورية هذا النوع من أنواع تضمين العقود من شركة لشركة أخرى، تقوم هي بتمويل وتشغيل واتمام وتجهيز المشروع، ولكنها اشترطت أمرين يجب توافرهما في مثل هذه الحالة.
فقد أصدر المجلس الأعلى للسياحة الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء، القرار رقم /138/ لعام 2006 الذي جاء فيه مايلي:
(( يسمح للمستثمر وفقاً لصيغة عقود ال (B.O.T) تأسيس شركة سورية لزوم تمويل وتشغيل واتمام وتجهيز المشروع شريطة مايلي:
أ- ألا تقل حصته في الشركة عن 51% خلافاً لأي نص نافذ.
ب- التزام الشركة الجديدة بالشروط العقدية لاستثمار المشروع.))
وفي هذه الحالة، فإن اتفاق التحكيم المبرم فيما بين الإدارة والمستثمر الأصلي، ينتقل إلى الشركة الجديدة التي تم تضمينها عقد الاستثمار وفق صيغة ال (B.O.T) كونها كون التزامها بالشروط العقدية لاستثمار المشروع، هو شرط رئيسي لقبول الإدارة تضمينها المشروع من قبل المستثمر الأصلي.
6- الادخال
أجاز القانون للمدعي أن يطلب إدخال من كان يصح اختصامه في الدعوى عند رفعها، م /152/ ق.أ.م.م
كما أجاز للمحكمة من تلقاء ذاتها أن تقرر إدخال:
– من كان مختصماً في دعوى سابقة.
– من تربطه بأحد الخصوم رابطة تضامن والتزام لا تقبل التجزأة.
– وارث المدعي أو المدعى عليه أو الشريك على الشيوع إذا كانت الدعوى متعلقة بتركة قبل قسمتها أو بعدها على الشيوع.
– من يضار من قيام الدعوى أو من الحكم إذا بدت للمحكمة دلائل جدية على التواطؤ والغش أو التقصير من جانب الخصوم.
– من ترى المحكمة إدخاله في الدعوى لمصلحة العدالة سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً. م /153/ ق.أ.م
كما نصت المادة /25/ من ق.ب على مايلي:
(( يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى أن تأذن بإدخال الغير لإلزامه بتقديم ورقة أو سند تحت يده … ))
وإن كان هذا الوضع هكذا، بالنسبة للدعوى العادية، فإنه يختلف كل الاختلاف في الدعوى التحكيمية، فإن المشرع تشدد جداً، بموضوع إدخال طرف غير موقع على اتفاق التحكيم، في النزاع التحكيمي، ومنع هذه المحكمة من الأخذ بالحالات السابقة المنصوص عليها بقانون أصول المحاكمات المدنية، ويستنبط هذا الأمر من أن المشرع في قانون التحكيم، لم يجز إلا حالة واحدة فقط من حالات جواز إدخال الغير، وهي الحالة المنصوص عليها في ف /3/ من م /34/ من ق.ت التي نصت على أن:
(( ترجع هيئة التحكيم إلى المحكمة المعرفة في المادة /3/ من هذا القانون لإجراء مايلي:
1- ……. – 2- ….. 3- الحكم بتكليف الغير بإبراز مستند في حوزته يعتبر ضرورياً للحكم في النزاع ))
ويستنتج من هذه الفقرة أمرين:
الأول- أنه ليس لهيئة التحكيم صلاحية إدخال الغير من تلقاء ذاتها، إسوةً بالمحاكم العادية، بل عليها أن ترجع إلى محكمة الاستئناف التي يقع في دائرتها التحكيم، من أجل تكليف الغير بإبراز مستند في حوزته يعتبر ضرورياً للحكم في النزاع.
الثاني- أن الرجوع لمحكمة الاستئناف، ليس من أجل إجازة هيئة التحكيم بإدخال الغير الحائز على ورقة منتجة بالنزاع، بل إن هذا الرجوع بقصد أن تحكم محكمة الاستئناف بتكليف الغير بإبراز هذه الورقة التي في حوزته، أي أن هذا الغير، لن يدخل على الإطلاق في الدعوى التحكيمية، بل أن هذا الأمر يدخل من صلاحية محكمة الاستئناف، التي تحكم عليه بإبراز الورقة، ومن ثم تحيل هذه الورقة إلى هيئة التحكيم للنظر بها.
وهنا، لا نستغرب أن محكمة الاستئناف المدنية في دمشق الناظرة في القضايا التحكيمية، قد سارت على هذا النهج في عدد من قرراتها، عندما ردت دعوى البطلان التي أقامها أحد الخصوم على حكم تحكيمي، لأن هيئة التحكيم قد رفضت إدخال إحدى الشركات الضامنة لتنفيذ شركة أخرى طرف في النزاع التحكيمي، فجاء في قرارها:
((أما لجهة طلب بطلان الحكم التحكيمي حيث لم يتم مخاصمة الشريك المقاول ( شركة غالف ساندز) بصفته الممول لشركة دجلة للنفط .
وحيث ان هذا العقد موقع بين الطرفين المتداعيين وهما شركة دجلة للنفط وشركة بوتيمال فهو مصدر التزاماتهم العقدية، ولايوجد توقيع لشركة ” غالف ساندز” على هذا العقد، فإنه لا يجوز إدخالها)).
القرار رقم /59/ تحكيم في الدعوى أساس /60/ تاريخ 17/10/2018 محكمة الاستئناف المدنية الأولى بدمشق.
كما استقر اجتهاد محكمة التمييز المدني اللبنانية الغرفة الأولى، رقم 79 لعام 2001 على أن:
(( القرار التحكيمي الذي يقبل الإدخال يقضى ببطلانه ))
وبرأيي، فإنني أؤيد ماذهب إليه القانون والاجتهاد، بعدم جواز إدخال الغير موقع على الاتفاق التحكيمي، في النزاع التحكيمي، كونه لا يمكن إلزام الغير باتفاق ناشئ عن إرادة أطراف آخرين، فإن ذلك يمثل خروجاً عن القاعدة القانونية المذكورة في القانون المدني، والتي تقول، بأن العقد لا يرتب التزاماً في ذمة الغير.
وهذا على خلاف ما قامت به محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية، في قضية “وست لاند” عندما اتفقت أربع دول عربية وهي السعودية ومصر والإمارات وقطر على إنشاء الهيئة العربية للتصنيع، التي تعاقدت مع شركة “وست لاند” السويسرية لتصنيع طائرات هيلكوبتر، وتضمن هذا العقد اتفاقاً على التحكيم، وحدث في العام 1978 أن انسحبت ثلاث دول من الهيئة العربية للتصنيع، وهي السعودية والإمارات وقطر، احتجاجاً على توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل، ما أدى إلى توقف المشروع، وعدم قدرة الهيئة على الدفع للشركة السويسرية، نتيجة لذلك لجأت شركة “ويست لاند” إلى غرفة التجارة الدولية بباريس إعمالاً لشرط التحكيم، وطالبت المحكمة بإدخال الدول التي انسحبت من الهيئة العربية للتصنيع، مستندة بطلبها إلى أن إرادة هذه الدول قد اتجهت إلى الارتباط بالاتفاق المبرم بينها وبين الهيئة، وقد انتهت هيئة التحكيم إلى أن وضع الهيئة العربية للتصنيع يشبه وضع شركة التضامن من ناحية أن الدول المشتركة فيها لم تسع إلى الاختفاء كلياً وراء الشخصية المعنوية للهيئة، وإنما حرصت على أن تمارس فيها دور الأطراف المسؤولة من خلال لجنة وزارية مشتركة تتولى تنفيذ السياسة العامة للهيئة، على نحو لا تستقل معه الهيئة بتصريف شؤونها،ومن ثم وافقت هيئة التحكيم على إدخال الدول المنسحبة من الهيئة، والحكم بمسؤوليتهم عن الأضرار التي لحقت بالشركة من جراء إيقاف المشروع .
إلا أن الدول المنسحبة طعنت بهذا القرار، أمام المحكمة السويسرية المختصة، والتي قضت بعدم جواز إدخال هذه الدول، وفسخ القرار الصادر عن غرفة التجارة الدولية.
7- التدخل
نصت المادة /161/ من ق.أ.م على أنه : (( يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم أو طالباً الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى ))
وقد استقر الاجتهاد اللبناني والمصري، على أنه يجوز قبول طلب التدخل في الدعوى التحكيمية، بشرط إجازته من قبل أطراف التحكيم.
فقد نصت المادة /786/ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني، على أنه:
((لايجوز تدخل الغير في النزاع أمام المحكمبن، مالم يوافق الخصوم على ذلك))
ويمثل الاستدعاء المقدم من قبل المتدخل والذي يطلب به التدخل الدعوى التحكيمية، إيجاباً منه بأنه قد وافق على اللجوء إلى هيئة التحكيم الناظرة بالنزاع الذي تربطه به مصلحة شخصية، وهذا الإيجاب متوقف على قبول أطراف التحكيم لهذا التدخل، فإذا هم وافقوا، فليس هناك ما يمنع من قبول طلب التدخل، واعتبار المتدخل طرفاً في الدعوى التحكيمية.
8- اعتراض الغير
ورد اعتراض الغير في قانون أصول المحاكمات المدنية، في الباب العاشر، وهو باب مستقل عن الباب التاسع الذي تضمن طرق الطعن في الاحكام.
إلا أن الاجتهاد السوري، عاد واعتبر اعتراض الغير، طريقة من طرق الطعن الاستثنائية في الأحكام.
نصت المادة /268/ ق.أ.م.م:
أ. يحق لكل شخص لم يكن خصما في الدعوى ولا ممثلا ولا متدخلا فيها أن يعترض على حكم يمس بحقوقه ولو لم يكن الحكم المعترض عليه قد اكتسب الدرجة القطعية.
ب. يحق للدائنين والمدينين المتضامنين والدائنين بالتزام غير قابل التجزئة أن يعترضوا اعتراض الغير على الحكم الصادر على دائن أو مدين آخر إذا كان مبنيا على غش أو حيلة تمس حقوقهم بشرط أن يثبتوا هذا الغش أو هذه الحيلة بجميع طرق الإثبات.
ج. يحق للوارث أن يستعمل هذا الحق إذا قام أحد الورثة بتمثيل التركة في الدعوى التي لمورثه أو عليه وصدر الحكم مشوبا بغش أو حيلة.
د. يحق لجميع من ورد ذكرهم في الفقرتين السابقتين أن يعترضوا اعتراض الغير إذا استطاعوا الإدلاء بسبب أو دفع شخصي ينال من الحكم كله أو بعضه.
كما نصت المادة /269/ ق.أ.م.م:
أ. اعتراض الغير على نوعين أصلي وطارئ.
ب. يقدم الاعتراض الأصلي إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه باستدعاء وفقا للإجراءات العادية.
ج. يقدم الاعتراض الطارئ باستدعاء إلى المحكمة الناظرة في الدعوى إذا كانت مساوية أو أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم المعترض عليه وكان النزاع الذي صدر فيه الحكم داخلا في اختصاصها.
د. إذا فقد أحد الشرطين المشار إليهما في الفقرة السابقة وجب على المعترض أن يقدم اعتراضا أصليا.
هـ. يجب أن يشتمل استدعاء الاعتراض الأصلي أو الطارئ على أسباب الاعتراض تحت طائلة الرد شكلا.
ونصت المادة /270/ ق.أ.م.م:
يبقى للغير الحق في الاعتراض على الحكم ما لم يسقط حقه بالتقادم.
هذا بالنسبة للأحكام التي تصدر في الدعاوى المنظورة أمام القضاء الوطني، ولكن ماذا بشأن الأحكام التحكيمية، هل يجوز قبول دعوى اعتراض الغير عليها ؟؟؟
الحقيقة أن هذا السؤال، واجه خلاف فقهي كبير، فالقانون غير واضح بهذا الشأن، فقانون التحكيم، اعتبر الأحكام التحكيمية قطعية وغير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن، إلا بدعوى البطلان، وكون الاجتهاد القضائي اعتبر اعتراض الغير طريقاً من الطرق الطعن، فإنه لا يجوز قبول اعتراض الغير على الأحكام التحكيمية، هذا من حيث المبدأ، ولكن من حيث التطبيق العملي، وحيث أن مبدأ العدالة والإنصاف هو الأساس والركيزة اللذان تقوم عليهما فكرة العدالة، كان من غير المقبول رفض اعتراض الغير على الحكم التحكيمي، لأنه قد يضار هذا الغير من الحكم، بل قد يكون أطراف التحكيم أساساً، قد ذهبوا إلى التحكيم، تواطؤاً فيما بينهم، لحرمان الغير من الوصول إلى حقه، فكان لابد من فسح المجال للغير من تقديم اعتراضه على حكم تحكيمي يمس مصالحه.
وبعد الاتفاق على أن اعتراض الغير وارد على الحكم التحكيمي، نقع في الإشكالية الثانية، وهي، أمام أي محكمة يتم تقديم استدعاء اعتراض الغير، فالأصل أن اعتراض الغير يقدم إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المعترض عليه، ولكن هيئة التحكيم مهمتها محددة بإجراءات التحكيم، فمتى انتهت الإجراءات وصدر الحكم التحكيمي، فإن مهمة هذه الهيئة تنتهي م /48/ ق.ت، ومن هنا نشأ الخلاف، فمن الفقهاء القانونيين من قال أن اعتراض الغير يقدم إلى محكمة الاستئناف المحددة في المادة /3/ ق.ت، إلا أن هذا الرأي لا يلقى صداً، كون هذه المحكمة لايحق لها النظر بموضوع النزاع التحكيمي، بل دورها محدد حصراً بالنظر في الإجراءات الشكلية سواء لاتفاق التحكيم، أم للحكم التحكيمي، ومدى مطابقة الشكل للقانون والآداب العامة، أما الموضوع فلا يحق لهذه المحكمة أن تتصدى له، وبالتالي فإن اعتراض الغير يقدم باستدعاء أمام المحكمة المختصة أصلاً بالنظر في النزاع، ولهذه المحكمة وحدها حق البت بهذا الطلب.