مما لا شك فيه أن الأحكان الصادرة عن المحكمين إذا لم يتم الإذعان لها وتنفيذها رضاءً من قبل جميع أطرافها خارج دائرة التنفيذ فهي مثلها مثل الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم لابد من طرحها لدى دائرة التنفيذ القضائية المختصة لتتفيذها جبراً بنفس آلية تنفيذ الأحكام القضائية .
إلا أن الاختلاف بين أحكام المحاكم وأحكام المحكمين أن هذه الأخيرة ورغم صدورها مبرمة فهي تحتاج لإكسائها صيغة التنفيذ من قبل محكمة الاستئناف المعرفة بالمادة /٣/ في قانون التحكيم رقم ٤ لعام ٢٠٠٨، وهناك طريقتان رسمهما القانون المذكور لجعل حكم المحكمين سنداً تنفيذياً ، الأولى هي التقدم بطلب اكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ امام محكمة الأستئناف المذكورة، والثانية عندما تقوم هذه المحكمة برّد بطلان حكم المحكمين المقدمة من قبل أحد الأطراف بحيث يصبح رد دعوى البطلان بمثابة اكساء الحكم صيغة التنفيذ.
وبجميع الأحوال لا يجوز تنفيذ حكم المحكمين رغم اكسائه صيغة التتفيذ قبل أن تنتهي مدة رفع دعوى البطلان المنصوص عنها بالمادة /٥١/ من قانون التحكيم رقم ٤ لعام ٢٠٠٨ وبالمقابل فإن التقدم بدعوى البطلان لا يوقف التنفيذ بالنسبة للحكم الذي أصبغ عليه صيغة التنفيذ إلا إذا حصل طالب البطلان على قرار بوقف تنفيذ هذا الحكم .
وأريد هنا ان أعلق على بعض القرارات الصادرة عن المحكمين التي أصادفها احياناً فإنني أرى في بعض منها انها تنتهي بفقرات حكمية غير قاطعة أي لا تتضمن هذه الفقرات الحكمية إنهاء للنزاع بصورة واضحة وبالأخص أحكام المحكمين التي تنتهي بتثبيت مصالحة بين أطراف التحكيم تمت امامها، فانه يتعين على المحكمين بهذه الحالة إن أرادوا انهاء النزاع المعروض عليهم بصورة نهائية أن لا يعلقوا فقراتهم الحكمية على شرط وأن لا يرموا على رئيس التنفيذ التحقق من أمور موضوعية أثناء التنفيذ هي ليست من اختصاصه ولا يملك الأدوات القانونية اللازمة للخوض فيها ، بل يتوجب عليهم عند تثبيت هذه المصالحة ان يعتبروها جزءاً لا يتجزأ من حكمهم وأن ينصوا بفقراتهم الحكمية على ذلك وعلى إلزام الأطراف بكل بند من بنودها الواضحة والحاسمة.
وإن كان قانون التحكيم رقم ٤ لعام ٢٠٠٨ لم يشير الى احقية رئيس للتنفيذ بمطالبة المحكمين بتوضيح او تفسير غموض لفّ حكمهم بل اشار لأطراف التحكيم فقط.
الى انه لابد من العودة الى القانون العام وهو اصول المحاكمات بالمادة /٢٧٨/منه تحديداً التي اجازت لرئيس التنفيذ مخاطبة المحاكم للإستيضاح عن الغموض في احكامها واسقاط ذلك على احكام المحكمين على اعتبار ان مجرد طرحها بالتنفيذ تصبح مثلها مثل اي حكم قضائي آخر.
طبعاً على رئيس التنفيذ مخاطبة هيئة التحكيم للاستضاح منها عن الغموض وان تعذر اجتماع هيئة التحكيم بعد انتهاء عملها يقوم هنا رئيس التتفيذ بمراسلة محكمة الاستئناف المعرفة بالمادة/٣/من القانون ٤ لعام ٢٠٠٨.
– وبمنحى آخر هل يجوز لرئيس التنفيذ قبول تنفيذ حكم المحكمين دون اكسائه صيغة التنفيذ اذا كان الاطراف قد اذعنوا لهذا الحكم وارادوا تنفيذه رضائياً لكن عن طريق دائرة التنفيذ لتوثيق هذا التنفيذ او لأسباب خاصة بهؤلاء الأطراف؟
إنني ارى انه لايحق لرئيس التنفيذ ذلك كون حكم المحكمين هذا لا يعتبر سنداً تنفيذياً إن لن يتم عرضه على محكمة الاستئناف المعرفة بالمادة /٣/ من قانون التحكيم ٤ لعام ٢٠٠٨ لتعطيه صيغة التنفيذ او لان هذه المحكمة هي صاحبة الصلاحية الوحيدة التي يحق لها التأكد من عدم مخالفة حكم المحكمين للنظام العام كما لو كان الحكم يتعلق بخلاف على لعبة قمار .
– ماذا عن تنفيذ احكام المحكمين الصادرة في بلد اجنبي هل يجوز تنفيذها فوراً امام دائرة التنفيذ ام لا بد من عرضها اولاً على المحكمة؟
نصت المادة /٣١١/من قانون اصول المحاكمات ان احكام المحكمين الصادرة في بلد اجنبي يجوز الحكم في تنفيذها اذا كانت نهائية وقابلة للتنفيذ في البلد التي صدرت فيه وذلك مع مراعاة صدورها عن هيئة مختصة والتأكد من التمثيل الصحيح للخصوم وعدم مخالفتها للنظام العام والآداب العامة وعدم تعارضها مع حكم سابق صادر عن المحاكم السورية .
اما اذا كانت احكام المحكمين الصادرة في بلد اجنبي وفقاً لأحكام القانون السوري او لأتفاقية ثنائية او أقليمية او دولية نافذة في سوريا يتم الحكم بتنفيذها بقرار من محكمة الأستئناف المدنية وفقاً للشروط المنصوص عليها في القانون او الأتفاقية آنفة الذكر وتعامل معاملة احكام التحكيم الوطنية ما لم يرد نص في الاتفاقية يقضي بغير ذلك .
ويستفاد من هذه المادة ان احكام المحكمين الصادرة خارج سورية يجوز تنفيذها بعد عرضها على محكمة البداية المدنية في حال لم تصدر وفقاً للقانون السوري او لاتفاقية ثنائية او إقليمية او دولية نافذة في سوريا إما اذا كانت وفقاً لما ذكر فيتعين عرضها على محكمة الاسئناف المدنية قبل طرحها بالتنفيذ.
الا ان ذلك كله اذا لم يرد نص في الاتفاقية يقضي بغير ذلك ماذا يعني هذا الشرط هل يمكن تنفيذ حكم المحكمين الصادر خارج سوريا لعرضه مباشرة امام دائرة التنفيذ دون المرور بمحكمة البداية او الاستئناف؟
ان اتفاقية الرياض العريية الصادرة في عام ١٩٨٣ سمحت بتنفيذ احكام المحكمين الصادرة في دولة عربية في بلد عربي آخر لكنها لم ترسم آلية لهذا التنفيذ ، ويبدو انها تركت للاتفاقيات الثنائية الباب مفتوحاً لتقرر كل منها ما يناسبها ولما كانت الاتفاقيات الخاصة الثنائية تنسخ الاتفاقيات الجماعية بالامور المتعارضة بينهما، كما انه يمكن الرجوع للاتفاقيات الثنائية بالأمور التي لم تنص عليها الاتفاقية الجماعية ولما كانت الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين سوريا وكل من الأردن او لبنان أو الإمارات مثلاً قد سمحت ان يتم طرح احكام المحكمين الصادرة في احدى هذه الدول في دائرة التنفيذ التابعة للدولة الأخرى مباشرة دون المرور بالمحكمة، لذلك فانه يتعين على رئيس التتفيذ في هذه الحالة التأكد قبل التنفيذ من الشروط العامة المتعلقة بعدم معارضة النظام العام وصحة التمثيل لأطراف الحكم وعدم التعارض مع احكام سابقة صدرت في سوريا وبشكل عام نقول انه يجب دائماً مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول.