الطبيعة الخاصة للتحكيم الجمركي ورد المحكمين الجمركيين
| القاضي المستشار محمد ياسين صلاح القزاز
رأينا في مقال سابق أن التحكيم الجمركي على نوعين:
1-التحكيم في قضايا البيانات الجمركية 2-التحكيم في قضايا التهريب
وباعتبار أن قانون الجمارك قانون خاص له أحكامه الخاصة والمتميزة بحكم طبيعة المخالفات الجمركية فقد نص على إجراءات خاصة للتحكيم الجمركي تختلف في طبيعتها وغايتها عن التحكيم المدني والتجاري وتتجلى أهم هذه الفروق بما يلي:
- اتفاق التحكيم:
- التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية اتفاقي يتم الاتفاق عليه عند التعاقد وقبل قيام النزاع أو بعد قيام النزع إلا أنه في الحالتين اختياري وليس إلزامي
- أما التحكيم الجمركي يقرره المدير العام للجمارك في التحكيم في قضايا البيانات وتقرره المحكمة الجمركية في قضايا التهريب وهو هنا لا ينشأ عن إرادة طرفي التحكيم وإنما يتم اللجوء إليه بصورة إلزامية وبحكم القانون حيث نصت المادة 89/ب من قانون الجمارك على أن (…ب – يثبت الخلاف في محضر يحال حكما إلى لجنة تحكيمية مؤلفة من محكمين من ذوي الخبرة تعين احدهما إدارة الجمارك ويعين الآخر صاحب البضاعة أو من يمثله قانونا، فاذا امتنع صاحب البضاعة عن تعيين محكمه خلال ثمانية أيام من تاريخ تنظيم المحضر اعتبر قرار مدير دائرة الجمارك ملزما له بصورة قطعية) كم نصت المادة 234/د من قانون الجمارك على أن (…د- في الحالات التي يحصل فيها خلاف حول قيمة البضاعة المهربة أو مواصفاتها أو منشئها تحيل المحكمة الموضوع إلى اللجنة التحكيمية المنصوص عليها في المادة 89 وما يليها من هذا القانون خلافا لأي نص آخر)
- هيئة التحكيم:
- يتم تشكيل هيئة التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية من محكم واحد أو أكثر على أن يكون عدد المحكمين وترا وإلا كان التحكيم باطلا
- أما التحكيم الجمركي فتتكون لجنة التحكيم فيه من محكمين فقط حيث نصت المادة 89/ب من قانون الجمارك على أن (ب-يثبت الخلاف في محضر يحال حكماً إلى لجنة تحكيمية مؤلفة من محكمين من ذوي الخبرة تعين أحدهما إدارة الجمارك ويعين الآخر صاحب البضاعة أو من يمثله قانوناً، فإذا امتنع صاحب البضاعة عن تعيين محكمه خلال ثمانية أيام من تاريخ تنظيم المحضر اعتبر قرار مدير دائرة الجمارك ملزماً له بصورة قطعية)
وتتكون اللجنة التحكيمية الاستئنافية فيه من ثلاثة محكمين يكون رئيسها معين من قبل وزير المالية حيث نصت المادة 90/أ من قانون الجمارك على أن (ا -تشكل اللجنة التحكيمية الاستئنافية من مفوض دائم يعينه الوزير بقرار منه رئيسا وعضوين أحدهما يمثل إدارة الجمارك يختاره المدير العام أو من يفوضه، والآخر يختاره صاحب البضاعة أو من يمثله قانونا)
ومن هنا يتضح لنا بأن لجنة التحكيم الجمركي أقرب في طبيعتها إلى لجنة إدارية ولا تعتبر هيئة تحكيمية بالمعنى الوارد في التحكيم المدني والتجاري
- محل التحكيم:
- يمكن أن يرد التحكيم المدني والتجاري على جميع المنازعات المدنية والاقتصادية والتجاري باستثناء المسائل التي لا يجوز فيها الصلح أو المخالفة للنظام العام أو المتعلقة بالجنسية أو بالأحوال الشخصية ما عدا الآثار المالية المترتبة عليها
- أما التحكيم الجمركي فمحله يقتصر فقط على الخلافات الناشئة عن قيمة البضاعة أو مواصفاتها أو منشأها وفق المادة 89 من قانون الجمارك وبالتالي فإنه لا يمكن للجنة التحكيم الجمركي البت في أي خلاف يتعدى هذه الأمور
- القانون واجب التطبيق:
- يحق لأطراف التحكيم المدني والتجاري الاتفاق على القانون الذي يجب على هيئة التحكيم تطبيقه على النزاع كما يحق لهم الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم اتباعها في نظر النزاع
- أما التحكيم الجمركي فلا خيار فيه لأطراف التحكيم على القانون الواجب التطبيق أو الإجراءات الواجب اتباعها وإنما تطبق لجنة التحكيم القوانين والإجراءات المنصوص عنها بقانون الجمارك حصراً
- مدة التحكيم:
- على هيئة التحكيم المدني والتجاري إصدار الحكم الفاصل في النزاع خلال المدة التي اتفق عليها الطرفان، فاذا لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال مدة180 يوما من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم، ويجوز لهيئة التحكيم إذا تعذر عليها الفصل في النزاع ضمن هذه المدة مد اجل التحكيم لمدة لا تزيد على90 يوما ولمرة واحدة.
- أما قانون الجمارك فحدد مدة عشرة أيام من تاريخ إحالة الملف إلى لجنة التحكيم لإصدار القرار دون تمديد ودون وجود مؤيد على عدم مراعاة هذه المدة فنصت الفقرة ج من المادة 89 من قانون الجمارك على أن (…ج -يصدر المحكمان قرارهما في الخلاف المطروح أمامهما خلال عشرة أيام من تاريخ إحالة الملف إليهما، ويكون هذا القرار قابلا للاستئناف خلال خمسة أيام من تاريخ تبليغه أمام لجنة تحكيمية استئنافية) ولم يتم تحديد مدة لإصدار القرار التحكيمي من قبل اللجنة التحكيمية الاستئنافية
- الشروط الشكلية لقرار التحكيم:
- نص قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 على عدة شروط شكلية يجب توفرها في القرار التحكيمي مثل أن يتضمن حكم التحكيم أسماء أعضاء هيئة التحكيم وأسماء الخصوم وعناوينهم وصفاتهم وجنسياتهم صورة من اتفاق التحكيم وملخص لطلبات الخصوم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وتاريخ ومكان إصداره وأتعاب ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الطرفين … الخ
- أما قانون الجمارك لم ينص على أي شروط شكلية يجب توفرها في القرار التحكيمي
- الطعن بقرار التحكيم:
- يصدر القرار التحكيمي في التحكيم في المواد المدنية والتجارية مبرما غير خاضع لأي طريق من طرق الطعن إنما يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم في حالات حصرية نص عليها قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008
- أما قرار لجنة التحكيم الجمركي فيقبل الاستئناف كما أسلفنا أمام لجنة التحكيم الاستئنافية
- مدى حجية قرار التحكيم:
- تتمتع أحكام المحكمين في التحكيم المدني والتجاري بحجية الأمر المقضي به وتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ تلقائيا من قبل الأطراف أو بصفة إجبارية إذا رفض المحكوم عليه تنفيذها طوعا بعد إكسائها صيغة التنفيذ، فهي تبت بموضوع النزاع بالكامل ولا تعرض على القضاء إلا في حالة إكساء صيغة التنفيذ أو الادعاء بالبطلان
- أما قرار لجنة التحكيم الجمركي فإنه ولئن كان يتمتع بقوة القضية المقضية لجهة النزاع الذي بت فيه بعد اكتسابه الدرجة القطعية، إلا أنه وحسب طبيعة محل التحكيم فيه التي بحثناها أعلاه لا يمكن أن يبت بموضوع المخالفة الجمركية المنظورة أمام المحكمة الجمركية ولا يمكن أن يقوم مقام الحكم الصادر عنها لأنه هذا التحكيم يرد على جزء من النزاع فقط(القيمة-المواصفات-المنشأ) وهذه الأمور وإن كانت تقيد المحكمة الجمركية بما ورد فيها إلا أنها لا تنهي النزاع ولا تكون قابلة للتنفيذ ما لم تقترن بحكم صادر عن المحكمة الجمركية
وعلى ذلك فإنه الفرق بين التحكيم المدني والتجاري وبين التحكيم الجمركي واسع وعميق ويختلف التحكيمان عن بعضهما البعض من حيث المفهوم والشروط والإجراءات والطبيعة فيعتبر التحكيم حكم حقيقي بينما يبقى التحكيم الجمركي إجراء إداري من إجراءات تخليص البضائع أو إجراءات المحاكمة
وبرأينا الشخصي أن المحكم الجمركي لا يمكن رده ولو توفرت فيه الأسباب التي تجيز رد القضاة لانعدام النص على جواز رده في قانون الجمارك أولاً ولإلغاء النصوص الواردة في قانون أًصول المحاكمات المدنية التي كانت تعالج التحكيم ثانياً وثالثاً وهو الأهم أن المحكم الجمركي لا يعتبر محكماً بالمعنى القانوني لأنه لا يبت بأساس النزاع المتعلق بالمخالفة الجمركية وإنما بجزء من هذا النزاع لذلك فإننا نرى دوره في المحاكم الجمركية أشبه بخبير فني يقدم خبرته مع فارق أن هذه الخبرة تكون ملزمة للمحكمة بعد تصديقها من قبل اللجنة التحكيمية الاستئنافية
وبالعودة إلى المحكمة المختصة برد المحكمين الجمركيين نجد أن نص المادة 92 من قانون الجمارك أعطت إدارة الجمارك حق تحديد إجراءات التحكيم بما يتفق مع نصوص قانون أصول المحاكمات المدنية، وبطبيعة الحال فقد ألغيت المواد التي كانت تنظم التحكيم المدني الواردة في قانون أصول المحاكمات رقم 84 لعام 1953 بموجب المادة 64 من قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 وهذا الإلغاء يحول دون تطبيق تلك الأحكام في التحكيم الجمركي لذلك كما لا يمكن تطبيق أحكام قانون التحكيم هنا لعدم وجود نص أو إحالة في قانون الجمارك لتطبيق تلك الأحكام فإنه وباعتبار أن المحكمة الجمركية تختص في النظر في الخلافات الناجمة عن تطبيق أحكام هذا القانون وفق أحكام المادة 234 من قانون الجمارك فإن طلب رد المحكم الجمركي يجب أن يقدم إليها وليس إلى محكمة الاستئناف المدنية المختصة بطلبات رد المحكمين وفق القانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 وقد أقرت الغرفة المدنية الأولى في محكمة النقض في قرارها رقم 276 أساس 283 تاريخ 29/8/2022 اختصاص المحكمة الجمركية للنظر بطلب رد المحكم الجمركي حيث ورد في حيثيات قرارها (… وحيث أن التحكيم بالقضايا الجمركية هو تحكيم من نوع خاص أتت على تنظيمه المواد 89 حتى 93 من قانون الجمارك رقم 38 لعام 2006 وهو لا علاقة له بما هو منصوص عليه بقانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 ولا بما كان منصوص عليه بقانون أصول المحاكمات المدنية القديم فإن ما يسري على هذا التحكيم هو ما نص عليه قانون الجمارك من إجراءات ولا يغير من ذلك أن أسباب رد المحكمين هي ذاتها التي يرد فيها القاضي أو المحكم المعين وفقاً لأحكام قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 لأن سريان ذات الأسباب لا تأثير له على الإجراءات الأخرى من أصول تعيين المحكمين والطعن بقرارهم والمحكمة الناظرة بالرد وإلى ما غيره من أصول وإجراءات ذلك أن قانون الجمارك هو قانون خاص يسري على القضايا الجمركية ولا يمكن تجاوز أحكامه والقفز عليها والذهاب إلى طلب تطبيق النصوص العامة أو الخاصة الأخرى … وحيث أن المادة 234 من قانون الجمارك رقم 38 لعام 2006 قد نصت على اختصاص المحكمة الجمركية بالنظر في الخلافات الناجمة عن تطبيق أحكام هذا القانون … وحيث أن التحكيم الجمركي وما ينشأ ويترتب عليه وحصول أي خلاف حول ذلك هو مما يدخل تحت ولاية المحكمة الجمركية وليس للمحكمة المعرفة بالمادة الثالثة من قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 والتي هي بدورها نص خاص لا يمكن أن ينسحب بتطبيقه على حالة خاصة منظمة بموجب قانون خاص وهو هنا قانون الجمارك …. ووفقاً لذلك فإن دعوى الجهة طالبة رد المحكمين ليست من اختصاص المحكمة المعرفة بالمادة الثالثة من قانون التحكيم وإنما هي تحت ولاية القضاء الجمركي (محكمة البداية الجمركية)).
يمكنكم متابعة الوثيقة أدناه، مع الرجاء الانتظار للحظات ريثما يتم تحميلها داخل الموقع:
الطبيعة الخاصة للتحكيم الجمركي ورد المحكمين الجمركيين[pdf-embedder
شكرا على هذه المعلومات القيمة
ومجلة رائع فعلا
كل الاحترام والتقدير للاستاذ محمد ياسين القزاز