مقالات وأبحاث

قبل أن توقعوا … إقرؤوا هل تتضمن عقودكم شرطاً تحكيمياً

| المحامي الأستاذ - أحمد وليد منصور

أصبح التحكيم عادة دارجة في سورية، ترافقت هذه العادة مع صدور قانون التحكيم السوري رقم /4/ لعام 2008، وانتشرت مع انتشار مراكز التحكيم أو ما يسمى اصطلاحاً بالتحكيم المؤسساتي بمختلف محافظات القطر السوري.

إلا أننا، وبالأخص العاملون في مجال القانون من (قضاة ومحامين)، تُعرض علينا نزاعات ناشئة عن العقود على اختلاف طبيعتها، مدنية أم تجارية وغيرها، نُلاحظ وجود أخطاء قاتلة بشرط التحكيم المدرج بها، ولأن الغالبية ابتعدت عن الابتكار، كان التقليد صنعة معظمهم، فينسخ الشرط التحكيمي من عقدٍ إلى آخر، دون تمييزٍ على الإطلاق بالظروف المحيطة بكل عقد، ما ينبأ بكارثة قانونية، تبتدأ، مع أول خلاف ينشأ عن هذا العقد.

تكمن مشكلة تضمين العقود لشرط تحكيمي، سواء أكان هذا الشرط من ضمن ذات العقد، أو مستقل عنه باتفاق لاحق، إلى أن المتعاقدين لا يعطوا لهذا الشرط أية أهمية عند عرض العقود عليهم للتوقيع عليها، فلطالما كان العرف الدارج فيما بين المتعاقدين (ولايزال حتى يومنا هذا) أن ينظر المتعاقدون في الثمن وكيفية تسديده وقبضه، وتاريخ التسليم والاستلام، ويترك الباقي للشخص الذي ينظم العقد وخبرته في مجال العقود، وأقول الشخص وليس المحامي، لأننا في سورية، لازلنا نرى أن معقب المعاملات وسمسار العقارات وبعض التجار، يحلون محل المحامين، وينظمون العقود، ويبرموها بين الأطراف، من خلال عقود مطبوعة سلفاً مفرغة ببعض الأماكن لإملاء بعض الشروط الخاصة، والتي أصبح شرط التحكيم إحداها، فيذكر بهذا الشرط ابتداءً وبغالبية العقود ((كل خلاف أو نزاع ينشأ حول تفسير أو تنفيذ هذا العقد يتم حله عن طريق التحكيم، وتكون هيئة التحكيم مؤلفة من ….)) هنا بعد عبارة وتكون هيئة التحكيم مؤلفة من ….، تبتدأ أولى المشكلات، فمنهم من يضمن هذا الشرط هيئة تحكيم مؤلفة من عدد زوجي من المحكمين، ما يشكل مخالفة للقانون الذي ألزم أن يكون العدد وتراً (واحد، ثلاثة ….، الخ)، ومنهم من وضع شرط تحكيم على نزاع لا تتجاوز قيمته المليون ليرة سورية، ومنهم من وضع شرطاً تحكيمياً لهيئة مؤلفة من ثلاثة محكمين في عقودٍ لا تتجاوز قيمته العشرة ملايين ليرة سورية … ومنهم و منهم إلى أن يُكمل مُنظم العقد شرطه التحكيمي، فيقول (( وتكون هيئة التحكيم مفوضة بالصلح ومعافاة من التقيد بالأصول)) هذه الفقرة على درجة من الخطورة، ما يترتب على مُنظم العقد الحذر الشديد قبل إدراجها في الشرط التحكيمي، كون التفويض بالصلح هو إعفاء للمحكم من التقيد بقواعد القانون الموضوعي، لأن سلطته في النزاع المعروض عليه تمتد ليحكم من خلال ما يراه عادلاً ومنصفاً من وجهة نظره، بغض النظر عن موافقة رأيه لقواعد القانون الموضوعي، وعليه يتوجب الحذر الشديد من ذكر هذه الفقرة بشرط التحكيم، وألا توضع إلا بعد تنبيه المتعاقدين لها.

وبناءً على ما تقدم، فإننا سنضع بعض المعايير التي نتمنى مراعاتها من قبل المتعاقدين أو من قبل مُنظم العقد، عند صياغة الشرط التحكيمي، ونلخصها بما يلي:

1- تضمين العقد شرطاً للتحكيم، لا يعني على الإطلاق أن مُنظم العقد يواكب التطور والعولمة، فالأصل هو القضاء الحكومي، ولا داعي أن يُرهق العقد بشرط تحكيمي لا تتحمله قيمته، فيقع المتعاقدين، بمشكلة ذات تكلفة باهظة هم بغنً عنها، والتوصية: ألا يوضع شرط تحكيمي إلا في العقود التي تتجاوز قيمتها /100/ مليون ليرة سورية، وإذا أصر المتعاقدين على تضمين عقودهم التي تقل قيمتها عن القيمة المشار إليه سابقاً، شرطاً تحكيمياً، أن يتم تنبيههم من قبل مُنظم العقد إلى تكلفة التحكيم المادية التي تتجاوز بكثير قيمة رسوم الدعوى العادية.

وعلى من ينظم العقد أن لا يضمن الشرط التحكيمي، هيئة تحكيم مؤلفة من ثلاثة أفراد أو أكثر، إذا كانت قيمة العقد لا تتحمل إلا مُحكم منفرد واحد.

2- عند تنظيم العقد، يجب، أن يذهب المتعاقدين إلى مكتب محاماة، أو الاستعانة برجل قانون لقراءة العقد وتقديم الملاحظات، والامتناع قدر الإمكان عن التوقيع على العقود المعدة سلفاً الموجودة في المكاتب العقارية ومعقبي المعاملات.

3- يتوجب على من ينظم العقد، أن يُنبه المتعاقدين إلى وجود شرط تحكيمي في عقدهم، كون هذا الشرط لا يقل أهمية، عن باقي بنود العقد من ثمن ومدد للتسليم والاستلام.

4- يتوجب على منظم العقد، ألا يستعين أو يستعير شرط تحكيمي، سبق وأن أدرج بعقد سابق، وينسخه كما هو في العقد الموجود بين يديه، لأن كل عقد مهما تشابه محله وغايته، لابد وأن تحكمه ظروف خاصة به، يتوجب مراعاتها عند تنظيمه.

5- يتوجب على مُنظم العقد، ألا يضمن الشرط التحكيمي عبارة ((وتكون هيئة التحكيم مفوضة بالصلح ومعفاة من التقيد بالقانون)) كلما كان أسماء المحكمين مجهولي الهوية، أي، تُرك أمر تسميتهم لتاريخ حدوث النزاع، وهذا، لما تتضمنه هذه العبارة من خطورة كبيرة، وإن كان وضع هذه العبارة يستند إلى نص قانوني صريح، ((إذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم بالصلح جاز لها أن تفصل النزاع على مقتضى قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون/م37- ف4- من قانون التحكيم السوري/))

إلا أن خطورة إسنادها إلى محكم مجهول الهوية، قد تلحق ضرراً شديداً بأطراف النزاع التحكيمي، لما يمتلكه المحكم من صلاحيات قد تدفعه للحكم خارج إطار القانون، بما تستهويه نفسه.

لذلك، فنحن نتبنى صراحةً ما استقر عليه القانون الاماراتي والقطري والليبي والكويتي، إلى أنهُ لا يجوز تفويض المحكمين بالصلح إلا إذا كانوا مذكورين بأسمائهم في الاتفاق على التحكيم أو في وثيقة لاحقة.

6- إذا كانت هيئة التحكيم مؤلفة من محكم منفرد، فيفضل أن يُسمى هذا المحكم بالاسم في متن الشرط التحكيمي، وأن يذكر إذا كان شرط التحكيم سيبقى سارياً فيما بين المتعاقدين، في حال زوال إحدى الصفات المتوجبة في المحكم حسب القانون النافذ.

7- يتوجب أن يذكر القانون الواجب التطبيق على موضوع وإجراءات التحكيم بشكلٍ واضح وصريح.

8- يتوجب أن يُذكر مكان التحكيم، بشكلٍ واضح.

هذه، مراجعة ملخصة للشرط التحكيمي، أرجو أن نتوصل بها لغاية معينة، وهي الابتعاد قدر الإمكان، عن العقود المُعدة سلفاً والمُنظمة أمام أشخاص غير مختصين، والتمعن كثيراً قبل تضمين أي عقد شرطاً تحكيمياً، لأن الشرط التحكيمي كما ذكرنا لا يقلُ أهمية عن أي بند من بنود العقد.

يمكنكم متابعة الوثيقة أدناه، مع الرجاء الانتظار للحظات ريثما يتم تحميلها داخل الموقع:
Article 19-01-2022
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: تنبيه: محتوى الموقع محمي !!