الأثر القانوني لعدم الرد على المخالفة في القرار التحكيمي وفقاً لأحكام القانون رقم /4/ لعام 2008
| بقلم: القاضي المستشار أحمد حمادة - رئيس محكمة الاستئناف المدنية بريف دمشق
لما كانت الأحكام القضائية التي تصدر في النزاعات المعروضة تحكمها قواعد قانونية نص عليها المشرع صراحةً فلا اجتهاد في مورد النص ولاتزيد على ما أورده المشرع طالما أن القاعدة القانونية جاءت صريحة وتنسجم مع طبيعة القانون الذي يحكم النزاع.
وحيث أن الأحكام القانونية التي تحكم موضوع الرد على المخالفة جاءت واضحة و صريحة وواجبة في ضوء أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية رقم /1/ لعام 2016 حيث نصت المادة /199/ أصول مدنية على ما يلي :
أ – تصدر الأحكام بإجماع الآراء أو بأكثريتها.
ب – إذا لم تتوفر الأكثرية وتشعبت الآراء لأكثر من رأيين فالفريق الأقل عدداً أو الفريق الذي يضم أحدث القضاة يجب أن ينضم لأحد الرأيين الصادرين وذلك بعد أخذ الآراء مرة ثانية.
ج – إذا صدر الحكم بالأكثرية فعلى الأقلية أن تدون أسباب مخالفتها على محضر مستقل عن نسخة الحكم الأصلية (المسودة) وعلى الأكثرية أن ترد على أسباب المخالفة في النسخة المذكورة ولا ينطق بها ويجب في جميع الأحوال أن ينص الحكم على صدوره بالأكثرية أو بالإجماع.
وبناء عليه فإن المشرع أوجب وفقاً لهذا القانون ما يلي:
1 – صدور الأحكام بالإجماع أو بالأكثرية.
2 – يجب على الأقلية المخالفة أن تدون أسباب مخالفتها على محضر مستقل عن نسخة الحكم الأصلية.
3 – يجب على الأكثرية أن ترد على أسباب المخالفة.
أما فيما يتعلق بالقانون رقم /4/ لعام 2008 فإن المشرع خصه بنصوص خاصة بهذا الصدد نصت عليها المادة /41/ منه حيث جاء فيه مايلي:
- يصدر حكم التحكيم بعد المداولة مكتوباً بالإجماع أو بأكثرية الآراء ويجب أن يوقع عليه المحكمون وعلى المحكم المخالف عند توقيع الحكم أن يدون رأيه على صحيفة الحكم وإذا رفض التوقيع فيجب أن تذكر أسباب ذلك في الحكم.
- إذا لم تكن هناك أكثرية في الآراء فإن رئيس هيئة التحكيم يصدر الحكم منفرداً وفق رأيه ويكتفي في هذه الحالة بتوقيعه منفرداً على الحكم وعلى كل من المحكمين الآخرين المخالفين في الرأي ولبعضهما بعضاً أن يدون رأيه كتابة على صحيفة الحكم الذي يصدره رئيس هيئة التحكيم وإذا رفض أحدهما أو كلاهما التوقيع فيجب أن تذكر أسباب ذلك في الحكم.
وبناء عليه فإن المشرع أوجب وفقاً لأحكام هذا النص ما يلي:
1 – أن يصدر حكم التحكيم بعد المداولة مكتوباً، أو بالإجماع أو بالأكثرية أو برأي رئيس هيئة التحكيم منفرداً.
2 – يجب أن يوقع المحكم المخالف أو المحكمين المخالفين على الحكم وتدوين الرأي.
3 – في حالة رفض التوقيع من المحكم أو المحكمين المخالفين فيجب ذكر أسباب ذلك في الحكم.
وبناءً عليه فإن المشرع أوجب وسنداً لأحكام القانون رقم /4/ لعام 2008 بصدد ما ذكر مايلي:
1 – يصدر حكم التحكيم بعد المداولة مكتوباً بالإجماع أو بأكثرية الآراء أو برأي رئيس هيئة التحكيم منفرداً.
2 – يجب أن يوقع المحكم المخالف أو المحكمين المخالفين التوقيع على الحكم وتدوين الرأي.
3- في حالة رفض التوقيع من المحكم أو المحكمين المخالفين فيجب ذكر أسباب ذلك في الحكم.
وبناءً عليه فإن المشرع أناط القانون رقم /4/ بأحكام خاصة تفرد بها تختلف عن الأحكام التي أناطها بالقانون رقم /1/ لعام 2016 سواء فيما يتعلق بوجوب صدور الحكم بالإجماع الآراء أو بأكثريتها بالنسبة للقانون رقم /1/ لعام 2016 وكذلك بوجوب رد الأكثرية غلى مخالفة الأقلية. وهذه الوجوبية لم يشترطها في قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008.
وحيث أنه وفي ضوء وضوح النصوص القانونية التي أوردها المشرع بالنسبة للحالات التي سبق بيانها آنفاً والطبيعة المختلفة لكلاً من قانون التحكيم وقانون أصول المحاكمات المدنية فإن ليس لنا الحق (في رأي الخاص) بتأويل النص ما لم ينص عليه طالما أن المشرع عندما ألزم الرد على المخالفة نص عليه صراحةً وعندما أجاز بصدور الحكم برأي منفرد لرأي هيئة التحكيم نص عليه صراحة وعندما أوجب بيان ذكر أسباب رفض التوقيع على الحكم من أحد المحكمين أو كلاهما نص على ذلك صراحةً .
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 هو قانون خاص يتضمن العديد من الأحكام التي خصه بها المشرع ومنها على سبيل الذكر لا الحصر مايلي:
1 – يجوز للأطراف مخالفة أحكام القانون رقم 1 لعام 2016 فيما يتعلق بالاختصاص المكاني بالنسبة للدعاوى العينية العقارية. (الفقرة /أ/ من المادة /3/ من القانون رقم 4 لعام 2008).
2 – أناط المشرع إجراءات التبليغ بأصول خاصة فيتم التبليغ برسالة أو إشعار للمرسل إليه ما لم يوجد اتفاق خاص بين طرفي التحكيم. (مادة 4 من قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008)
3 – إعطاء الحق لطرفي التحكيم حرية تحديد القانون الذي يجب على هيئة التحكيم تطبيق موضوع النزاع. (مادة 5 من قانون التحكيم 4 لعام 2008)
4 – في حال تفويض هيئة التحكيم بالصلح جاز لها أن تفصل النزاع على مقتضى قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون. (المادة 38 فقرة 4 من القانون رقم 4 لعام 2008)
5 – أجاز القانون للأطراف الاتفاق على إعفاء المحكمين من تسبيب القرار. (فقرة 3 من المادة 42 من القانون رقم 4 لعام 2008)
6 – المادة 49 من القانون رقم 4 لعام 2008 نصت على أن أحكام التحكيم تصدر مبرمة غير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن بالنقض.
ولا بد من التنويه إلى أن عدم الرد على المخالفة ليس من النظام العام . وأن كلاً من المادتين 42 و50 المتعلقة بالإكساء والبطلان وفقاً لقانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 لم تحدد في أسبابها أن عدم الرد على المخالفة هو سبب من أسباب البطلان أو حالة من حالات عدم الإكساء.
وفي الختام أرجو من الله أن أكون قد وفقت في تسليط الضوء على بعض الجوانب التي تعتبر جدلية في الرأي بين رجالات القانون.
وعلى فرض رأى بعض رجالات القانون خللاً في أي حكم صدر بهذا الصدد فإن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية طالما أن الغايات سامية ومجردة عن المصالح وإنني أرى أنه لا يجوز رد دعوى الإكساء أو إبطال القرار إلا استناداً لأحكام واضحة جلية ليست محل اجتهاد باعتبار أن المشرع أناط التحكيم بإجراءات خاصة جداً ومنح الأطراف مزايا هامة وإعفاءات من التقيد بكثير من الأحكام القانونية التي لا تخالف النظام العام لا سيما وأن مؤسسة التحكيم هي رديف لعمل القضاء وخاضع لرقابته. والله من وراء القصد.