مقالات وأبحاث

الاختصاص المكاني في الدعاوى العينية العقارية بقانون التحكيم السوري

| القاضي المستشار أحمد حمادة - رئيس محكمة الاستئناف المدنية بريف دمشق

مما لا شك فيه أن التحكيم هو الوسيلة الأسرع لفض النزاعات بين المتقاضين، وقد رسخ المشرع بالقانون رقم /4/ لعام 2008، مفهوم التحكيم، كأسلوب اتفاقي يتم اللجوء إليه لحل النزاعات بدلاً عن القضاء العادي.

وحيث أن قانون التحكيم قد ضمنَّ في نصوص مواده القواعد الناظمة لإجراءات التحكيم وآلياته، إلا أنه ومن خلال التطبيق العملي لهذه النصوص، ونتيجةً لصدور قواعد قانونية لاحقة لصدوره، طرأت حالات يتوجب على رجال القانون والباحثين التوقف عندها وبحثها في ضوء ذلك، لا سيما قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 1 لعام 2016 عدل في قواعد النظام العام لجهة الاختصاص المكاني بالنسبة للدعاوى العينية العقارية فكان لا بد لنا من تسليط الضوء على ذلك والاستئناس بآراء الزملاء الأكارم عن أثر هذا التعديل على قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 وذلك لجهة الاختصاص المكاني في ضوء أحكامه القانونية ونصوصه .

وحيث أن الفقرة 3 من القانون رقم 4 لعام 2008 نصت على مايلي :

1 – ينعقد اختصاص النظر في مسائل التحكيم التي يشملها هذا القانون إلى محكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في سوريا .

2 – تظل المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص وفقاً للفقرة السابقة – دون غيرها – مختصة حتى انتهاء جميع إجراءات التحكيم .

3 – إذا تعلق النزاع بحق عيني على عقار وجب وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقار بقرار تتخذه في غرفة المذاكرة المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص وفقاً للفقرة الأولى من هذه المادة .

وحيث أنه بتاريخ صدور قانون التحكيم في العام 2008، وهو قانون خاص وفي معرض تحديد الاختصاص المكاني بالنسبة للنزاعات العينية العقارية، فإن تحديد المحكمة المختصة لنظر دعوى الادعاء والبطلان هي المحكمة التي يجري في دائرتها التحكيم وذلك سنداً لأحكام المادة 3 من هذا القانون كون تحديد الاختصاص المكاني بذاك الوقت كان يخضع لإرادة الأطراف، ولم يكن من متعلقات النظام العام.

واستمرت الحال كذلك (فيما يتعلق بخضوع الاختصاص المكاني لإرادة الأطراف)، حتى العام 2010، حيث صدر القانون /1/ والذي تضمن تعديلاً لبعض مواد قانون أصول المحاكمات المدنية،  ومنها أنه أصبح الاختصاص المكاني في الدعاوى العقارية من النظام العام، ومن ثم صدر قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد، رقم /1/ لعام 2016، الذي أكد على أن الاختصاص المكاني بالنسبة للدعاوى العينية العقارية من النظام العام، وقد نصت الفقرة /ب/ من المادة /503/ من هذا القانون على أنه: ((يلغى كل نص تشريعي يخالف هذا القانون أو لا يأتلف مع أحكامه))، وحيث أن هذا النص جاء مطلقاً، وحيث أنه بالعودة إلى قانون التحكيم رقم /4/ لعام 2008، فإن كلتا المادتين رقم /50/ المتعلقة بإقامة دعوى البطلان والمادة /56/ المتعلقة بدعوى الاكساء حددتا شرطاً أساسياً لسماع دعوى الإكساء والبطلان وهذا الشرط هو أن لا يتضمن حكم التحكيم ما يخالف النظام العام حيث نصت الفقرة/ 2/ من المادة /50/ ما يلي :

((تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في الجمهورية العربية السورية)) .

كما نصت المادة /56/ المتعلقة بإكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ على أنه :

((لا يجوز إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يلي:

أ- …..  ب – أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في الجمهورية العربية السورية)).

وبناءً عليه ومن خلال ما سبق بيانه فإننا نجد تعارض نشأ بين أحكام قانون التحكيم الصادر في العام 2008، وبين أحكام القانونيين رقم /1/ لعام 2010 ورقم /1/ لعام 2016 وذلك في معرض تحديد الاختصاص المكاني لنظر كلاً من دعوى البطلان ودعوى الإكساء وقد تجلى ذلك من خلال صدور أحكام متناقضة عن محكمة الاستئناف المدنية الأولى بدمشق وغيرها من المحاكم باختلاف حيثياتها وعلى سبيل المثال نذكر:

– القرار رقم /5/ تحكيم، في الدعوى رقم أساس /21/ تاريخ 29/01/2020، الصادر عن محكمة الاستئناف المدنية الأولى بدمشق، والذي قضى من حيث النتيجة برد دعوى الإكساء كون العقار موضوع قرار التحكيم المراد إكساؤه صيغة التنفيذ يقع بمنطقة حتيتة التركمان التابعة لمنطقة ريف دمشق العقارية.

وحيث أن هذا الموضوع هو موضوع يتوجب بحثه في ضوء صدور القانون رقم 1 لعام 2010 والقانون رقم 1 لعام 2016 وما تضمنته المادة 503 من القانون رقم 1 لعام 2016 لجهة إطلاق النص فيما يتعلق بإلغاء كل نص تشريعي يخالف هذا القانون أو لا يأتلف مع أحكامه.

وإنني أرى أنه يتوجب وإعادة أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية رقم 1 لعام 2016 فيما يتعلق بالاختصاص المكاني بالنسبة للدعاوى العينية العقارية في معرض إقامة كلاً من دعوى البطلان والإكساء سنداً لأحكام قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 بالرغم من أنه قانون خاص وذلك باعتبار أنه لا يجوز المساس بالنظام القضائي الذي رسمه المشرع لأجهزة السلطة القضائية ويجب مراعاته حتى في قضايا التحكيم باعتبار أن هذا التعديل لقواعد النظام العام جاء بعد صدور قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 ويتعلق بقواعد الشكل دون الموضوع مما يتوجب على المحاكم التقيد فيه ومراعاته تحت طالئلة اعتبار ما يصدر خلافه مخالفاً للنظام العام .

يمكنكم متابعة الوثيقة أدناه، مع الرجاء الانتظار للحظات ريثما يتم تحميلها داخل الموقع:
Ahmad Hamadah Article 24-12-2021

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بإختصار شديد ..

    لتسليط البحث على هذا الموضوع .. يجب البحث بنقطتين هامتين:

    الأولى : ما هي طبيعة دعوى البطلان أو دعوى الإكساء عموماً أياً كان موضوع النزاع ؟ وهل تتغير طبيعتها وصفتها بحسب موضوع النزاع ؟ بمعنى أنه إذا كانت متعلقة بنزاع على حق عيني فهل تتحول من دعوى شخصية إلى دعوى عينية عقارية أو إلى دعوى شخصية عقارية مثلاً ؟

    ما الغاية الأساسية من دعوى الإكساء أو البطلان ؟ هل هو تنفيذ أو عدم تنفيذ حكم التحكيم وهذا يجعلها دعوى شخصية بالمطلق ؟ أم تثبيت أو إلغاء حق عيني ؟

    النقطة الثانية إذا ثبت لنا أو إتفقنا أن طبيعى دعوى الإكساء أو البطلان تتحدد بحسب النزاع موضوعها .. وثبت لنا أو إتفقنا أنها دعوى عينية عقارية أو شخصية عقارية فهنا يجب البحث بموضوع الخاص والعام المتأخر عنه .. وهل يلغي العام اللاحق الخاص السابق ؟

    وهل هناك تعارض في الحالة المطروحة بين العام والخاص ؟ وهل يلغي تطبيق الخاص تطبيق العام أم العكس ؟ فالأولى عند التفسير تطبيق النصين لا تطبيق أحدهما وإستبعاد الآخر

    تقبلوا تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: تنبيه: محتوى الموقع محمي !!