الوساطة هي وسيلة اختيارية يتم اللجوء إليها برغبة الأطراف ويختارون خلالها إجراءات أسلوب الوساطة من أجل فهم موضوع النزاع ووضع الحلول المناسبة له .
السمات الأساسية للوساطة
1-تأسيس سبل المناقشة بصورة ترضي الطرفين .
2- إشعار الأطراف المسؤولية تجاه حل النزاع .
3- إشعار الأطراف باستقلالية الوسيط .
4- تشجيع الأطراف على تبادل الآراء والمناقشة .
لذلك تعتبر الوساطة أسلوباً غير ملزماً (non-binding) لأي من الأطراف المتنازعة فلا يكون في الوسع فرضه عليهم إلا برضاء تام صحيح ومستمر من جانبهم ، فإذا ما ارتأى أحدهما نبذه بداية أو العدول عنه في أي توقيت لاحق – وهذا ما يعبر عنه بأن الوساطة إجراءات تحت سيطرة الأطراف (controllable) زال كل أثر للوساطة .
وتقتصر وظيفة الوسيط على تسهيل وبناء جسر بين أطراف النزاع وفق المحاور الرئيسية التي على الوسيط توفيرها ووضعها على قائمة أولوياته .
فالوساطة هي الأساس الذي تقوم عليه الوسائل البديلة فهي المحرك والسبيل الأول لجهة إيجاد حل توافق بين المتنازعين وتعتبر من أبرز مجموعة الحلول التفاوضية.
ونميز بين صورتين للوساطة بالنظر إلى ما يتمتع به الوسيط من سلطات دون الإخلال بالطابع الشكلي (Informal) الذي يميزه وسمة عدم المواجهة (non-confrontational) التي تنسجم إجراءاته فيما بين الخصوم – على النحو الآتي :
الصورة الأولى (الصورة البسيطة) :وساطة للتيسيروالتقارب (Facilitive-Mediation) وهي عبارة عن وساطة يقتصر دور الوسيط فيها على اطلاع كل طرف متنازع على نقاط الضعف والقوة في موقعه ويجيب عن استفساراته وتساؤلاته المختلفة .
ولعل من أكثر تطبيقات هذه الصورة ذيوعاً جعل الوسيط مجرد رسول ، ينقل وجهات نظر كل طرف إلى الآخر فحسب ، فلا يكون للوسيط أي دور تفاعلي مع الأطراف مفاد ذلك ألا يرد الوسيط على رسائل أو يبدي ملاحظة .
الصورة الثانية (الصورة المركبة) : وساطة تقويمية (Evaluative Mediation) وهي عبارة عن وساطة يتجاوز دور الوسيط فيها تقديم الإجابات وجلاء الغامض من الأمور بل ينتهي فيها الوسيط إلى رأي محدد يسنده إلى تقويمه الشخصي لمواقف الأطراف وحججهم ويراعى دائماً أن هذا الرأي يظل غير ملزم لأي من الطرفين .
أولاً : أنواع الوساطة
تتخذ الوساطة أنواعاً متعددة فهناك الوساطة البسيطة (Simple Mediation) وهي تقترب من نظام التوفيق في وجود شخص يسعى إلى التقريب بين وجهات نظر المتنازعين وهناك الوساطة الاستشارية (Mediation Consolation) وهي التي يطلب فيها أطراف النزاع من محامٍ أو خبير استشارة في موضوع النزاع ثم يطلبون منه بعد ذلك التدخل كوسيط لحل النزاع وهناك الوساطة القضائية (Judicial- Mediation) وهي المعمول بها في النظم الانكلوسكسونية حيث تقوم المحاكم قبل الفصل في النزاع بعرض اقتراح على الأطراف التنازعين باللجوء ، بداية إلى الوساطة ، وذلك كما هو الحال في النظام المعروف باسم summary jury trial حيث يقوم المحلف المدني civil jury قبل الجلسة الرسمية بشرح مختصر للأطراف المتنازعين عن الموقف في الدعوى ويتوصل معهم إلى إصدار حكم على شكل رأي يكون بمثابة الأساس الذي تقوم عليه المفاوضات في الوساطة وهناك أيضا الوساطة التحكيمية Mediation Arbitration .
وهي اتفاق أو بند تعاقدي ينص عليه في العقد ويقضي بأنه في حال نشوب النزاع يتم عرضه على الوسيط ، وفي حال فشل الوساطة دون التوصل إلى حل يتحول الوسيط إلى محكم وهذا ما يطلق عليه في الولايات المتحدة (MED/ARB) أي الوساطة التحكيمية واللجوء إلى هذا الأسلوب يطمئن المتنازعين بتحقيق تسوية أكيدة لنزاعهم سواء بحل ودي أو بقرار تحكيمي ، وقد استخدمت هذه الوسيلة في الولايات المتحدة الأمريكية اعتباراً من عام 1970 في النزاعات التجارية ونزاعات العمل أيضاً وعرف هذا الأسلوب في قانون هونغ كونغ للتحكيم عام 1990 .
وقد جرى تعديل جديد مؤخراً في بريطانيا من قانون أصول المحاكمات المدنية الإنكليزية يشجع المتنازعين على اعتماد الوسائل البديلة لحسم النزاعات التجارية ومن بينها الوساطة وقد أعطى الحق للمدعى عليه بطلب وقف البت بالدعوى لحين الانتهاء من الوساطة بالإضافة إلى ذلك فقد أعطى هذا التعديل الحق للقاضي بتقدير تصرف المتنازعين في الوساطة حتى إذا ثبت له أن أحد المتنازعين لم يكن جاداً بخوضها ألزمه بدفع نفقات المحاكمة حتى في حال كان محقاً فيما ادعاه .
ثانياً : حالات الوساطة
يلجأ إلى الوساطة عادة في الحالات الآتية :
1- فشل المفاوضات الودية .
2- تهيئة المناخ للتسوية دون لجوء إلى التقاضي أو التحكيم .
3- التوصل إلى حل وقائي لتفادي وقوع نزاع أكثر من مجرد فض النزاع بعد وقوعه .
4- الخروج من طريق مسدود (Impass) في معرض إبرام أو تنفيذ اتفاق على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لأطرافه . مثال ذلك عدم الاتفاق على مسألة (فرعية) كتحديد الأتاوة العادلة في عقد ترخيص .
ثالثاً : خصائص الوساطة
تتميز الوساطة عن التحكيم والقضاء أنها غير مرتبطة بأصول محاكمات وشكليات طويلة ومعقدة ، بل أنها وسيلة سهلة ومرنة من حيث التآمها في الزمان والمكان ، وتهدف للوصول إلى نتائج حبية ومنصفة للنزاع وترضي جميع الفرقاء حيث يبقى أطراف النزاع على حالتهم الطبيعية من الرضا والاطمئنان .
رابعاً : مزايا الوساطة
1- تقليل التكاليف (cost exposure) حيث عادةً ما تتم بلغة واحدة .
2- سيطرة الأطراف على النزاع في كل مراحل تسويته بحيث يكون لهم التخلي عن الوساطة في أي وقت دون أن يكون في وسع أي منهما التمسك برأي أبداه أو اقتراح طرحه أثناء الوساطة .
3- التوصل إلى تسوية معجلة .
4- الاستفادة من الطابع السري لعملية التسوية لخلاف قائم حيث يلتزم كل من يشارك في الوساطة بما في ذلك الوسيط والأطراف الممثلين والمستشارين والخبراء وكل من يحضر أثناء الاجتماعات بعدم إفشاء ما يطلع عليه من معلومات أو الاحتفاظ بأي نسخة منها .
كما يحظر على المشاركين الاستفادة بالمعلومات المتعلقة بالوساطة أو المحصلة أثناءها أو أن يكشف عنها للغير ما لم يتفق الطرفان والوسيط على غير ذلك وضماناً لما تقدم يوقع هؤلاء المشاركون على تعهد مسبق بالالتزام بسرية الوساطة.
وليس للمركز إدراج معلومات عن الوساطة في أي إحصاءات ينشرها عن أنشطته إلا بقيدين وهما :
الأول: عدم كشف هذه المعلومات عن هوية الأطراف .
الثاني: عدم سماح هذه المعلومات بتحديد الظروف الخاصة بالنزاع .
كذلك ليس للوسيط التصرف بغير صفة الوسيط في أي إجراءات حالة أو مستقبلية تتعلق بموضوع النزاع يستوي في ذلك أن تكون هذه الإجراءات قضائية أو تحكيمية أو غيرها إلا نزولاً على أحد أمرين وهما :
الأول: حكم من محكمة .
الثانية: تصريح كتابي من الطرفين .
عدم انقضاء العلاقات المهنية حيث يتوازى عمل الوسيط مع تنفيذ العقد محل النزاع.
وإذا كان التحكيم يقوم على رد الحق إلى أصحابه فإن الوساطة يهمها في المقام الأول المحافظة على المصالح الهنية للأطراف في الماضي والحاضر والمستقبل على حد سواء وبالذات في المستقبل حيث إن الغرض منهما يكمن في السعي الحثيث إلى تجنب تأثير النزاع على العلاقات المستمرة فيما بين الأطراف .
فضلاً عن ذلك فإن ما سيصدر من مقترحات أو عروض الحل أو حتى ما سيرتضيه الأطراف من نتائج مترتبة على ذلك لن يكون في وسع أي من الطرفين الارتكان إليه في معرض أي نزاع أو حتى تحكيم آخر بين الخصوم أنفسهم .
مع ذلك فلا مجال للتمسك بالوساطة في الحالات التي ينتفي فيها حسن النية فيما بين الطرفين كما هو الحال في دعاوى القرصنة (Piracy) والتقليد (Counterfeiting) وسوء النية المبيت (Deliberate bab faith) أو كذلك فهي غير مناسبة إذا ما كان مقصود الطرف المدعي بالحق إعلان براءة ذمته على الملأ أو التوصل إلى حل بصدد نزاع غير مسبوق حيث لا توجد بصدده أي سوابق .
خامساً : أهمية الوساطة في الأنظمة القانونية المعاصرة
لقد أصبح من أهم المعايير المعتمدة في تقييم مدى فعالية الأنظمة القانونية والقضائية المعاصرة ، المعيار المتعلق بما توفره هذه الأنظمة من إمكانيات لتسهيل الوصول إلى العدالة وتتخذ سهولة الوصول إلى العدالة عدة أبعاد تتمثل في التالي :
1- نشر المعرفة القانونية والقضائية وتبسيط الإجراءات والمساعدة القانونية والقضائية واستغلال التقدم التكنولوجي في التقاضي عن بعد .
2- الأخذ بالوسائل البديلة لحل المنازعات (ADR).
وتعرف الوسائل البديلة لحل المنازعات انتشاراً واسعاً في العالم المعاصر وتدخل المشرع لتنظيمها قانوناً في عدة دول وإننا نأمل أن يصدر تشريع في الجمهوية العربية السورية ينظم هذه الوسائل البديلة وخاصة في الوساطة كما فعل المشرع السوري بإصداره قانون خاص للتحكيم هو قانون رقم 4 لعام 2008 ونشير ضمن هذا النطاق إلى أن لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي التجاري ، وضعت نظاماً خاصاً بها كما وضعت قانوناً نموذجياً للتوفيق التجاري وساهم القضاء في عدة دول بتكريس عدة ممارسات قضائية في العمل القضائي بتأثير هذه الوسائل يحيث أصبح التوجه الآن يرمي إلى الانتقال من التحكيم إلى الوسائل الأخرى البديلة لحل النزاعات .
إن الهدف من هذه الوسائل هو (تهدئة المنازعات والبعد عن تعقيدات الإجراءات القضائية بل البعد حتى عن أنظمة التحكيم : انها وسيلة غير قضائية ولكنها تتم بواسطة القضاة أحياناً هدفها حل النزاعات بواسطة شخص ثالث محايد .
ويتم التمييز في هذه الوسائل البديلة بين وسائل تؤمن عن طريق القضاء ، وبين وسائل يلجأ إليها الأطراف إدارياً مع الحرص على توفير متطلبات الجودة في أداء هذه الوسائل من حيث الاستقلالية الحياد السرية والفعالية كما أن كل إجراءات الوسائل البديلة لحل المنازعات يتطلب فيها مهارة في التفاوض .
ويشمل مصطلح الوسائل البديلة لحل المنازعات عدة صور أهمها:
1- الوساطة.
2- التوفيق.
3- التسوية الودية.
4- المصالحة.
5- الاستشارة.
6- المحاكمة المصغرة.
7- ويمكن أن تكون الوسائل البديلة خليطاً يجمع بين هذه الصور.
وهذه الصور تتراوح بين التفاوض والعمليات غير الملزمة وبين الأشكال المتفق عليها الملزمة وقد تتخذ هذه الصورة صيغة تسوية مباشرة دون تدخل من طرف ثالث ( المفاوضات المباشرة ) وهذه التقنية يعمل بها في المعاملات التجارية الدولية أو تسوية بفعل تدخل طرف ثالث كالوساطة.
والواقع أن الوساطة تقنية لتسيير عملية المفاوضات بين الأطراف يقوم بها طرف ثالث محايد يهدف إلى مساعدة أطراف النزاع القائم بينهم و هي تتطلب مهارات في الوسيط تمكنه من الحوار والتواصل مع الأطراف لتقريب وجهات نظرهم وتسهيل توصلهم إلى حل نزاعهم على نحو مقبول منهم.
لقد أصبحت الوساطة من أهم الوسائل البديلة لحل المنازعات ولقد أفرز تطور الوساطة تنوعاً في إجراءاتها إذ توجد وساطة تمارس من داخل النظام القضائي ( وساطة قضائية ) ووساطة تمارس من خارج النظام القضائي (وساطة اتفاقية) أو على الأقل بتوجيه من المحكمة حيث تعين وسيطاً خاصاً من لائحة وسطاء متعددين (وساطة خاصة) .
وسواء أكانت الوساطة اتفاقية أو قضائية أو خاصة فلا بد أن تحترم فيها عدة مبادئ مستمدة من قواعد المحاكمة العادلة وتتصف بالسمات التالية:
1- حياد الوسيط.
2- احترام السرية.
3- احترام مبدأ الحضورية.
4- المساواة واللجوء إلى التحكيم أو القضاء.
5- السرعة والمرونة وقلة التكاليف.
6- الوعي التام من قبل الأطراف بالحلول المتوصل إليها.
من كل ما تقدم لابد من وضع تصورات لنظام الوسائل البديلة في الجمهوية العربية السورية وبالأخص الوساطة والتي أكدت التجربة العلمية أهميتها البالغة ليس من خلال عدد القضايا التي انتهت بحل كثير من الدول المتقدمة فحسب ولكن في خلق عقود قانوينة فعالة في حد ذاتها تنهي الخصومة ، وتكون مضمونة حيث التنفيذ وتحقيق النتائج المرجوة.
سادساً : أحكام الوساطة:
اختيار الوسيط
يختار المركز وسيطاً بعد استشارة الأطراف فيقدم لهم مقترحاته مشفوعة ببيانات السيرة الذاتية لكل وسيط مرشح ويراعى في اختيار المركز على السواء ما يلي :
آ- نطاق دور الوسيط:
فهل سيكتفي بنقل الوسائل وتجليه وجهات النظر أم سيطرح تصوراته الشخصية للحل .
ب- المهارة والقدرات:
فيتعين أن يكون مختصاً في النزاع ومتمرساً في عملية الوساطة .
ج- الجنسية:
قد يرى الأطراف استبعاد جنسيات معينة من نظر النزاع لوجود شبهة في عدم الحياد أو الأمانة أو الاستقامة و على العكس قد يرون الإصرار على جنسيات معينة لنظر النزاع لوجود خصوصية معينة تستدعي ذلك ولتقريب المعنى نضرب المثال بنزاع فيما بين جنسيتين محددتين فيرغبان في استبعاد أي وسيط من جنسيتهما على العكس فالمثال الآخر يتعلق بنزاع متعلق بمشكلة لها بعد اجتماعي وسياسي عربي مثلاً فيشترط الأطراف أن يكون وسيطهما المختار من جنسية عربية محددة .
د- العدد:
عادة ما يكون الوسيط فرداً وفي النزاعات المعقدة التي تستدعي وجود أكثر من وسيط كما لو كان النزاع بين طرفين أحدهما من ذوي الثقافة القانونية و الآخر من ذوي الثقافة الجرمانية أو الأنجلو أمريكية ويراعى دائماً أن العدد يكون وتري أي غير زوجي (1 أو 3 أو 5 إلخ …) .
هـ- المؤهلات:
لعل من أبرز العناصر المتحكمة في اختيار الوسيط هو مؤهلاته العلمية والعملية .
وتتلخص صفات الوسيط الناجح في امتلاكه لمهارات عملية وفهم نظري وخبرة حقوقية أو مصرفية أو فنية فضلاً عن قدرته لابتكار وإبداع قدراً أكبر من الحلول والأفكار التي تساعد المتنازعين في اختيار مصالحهم الخاصة وتؤمن لهم أفضل السبل في حل نزاعاتهم .
إجراءات الوساطة:
المرحلة الأولى
الاتصال بالأطراف ، وذلك بهدف وضع جدول موضوعي وزمني للدعوى بمراحلها المتتالية ، ويمكن أن تتم هذه المرحلة بالتليفون أو الفاكس أو حتى البريد الإلكتروني ، ويرتبط بتحديد المراحل إعداد المستندات والمتطلبات الواجب على كل طرف تقديمها قبل أول جلسة وساطة .
المرحلة الثانية
الجلسة الأولى: ويتم خلالها تحديد القواعد الأساسية لعمل الوسيط وما إذا كان سيعمل في حضور الأطراف جميعاً أو سيعقد لقاءات منفصلة لكل منهم على حدة فضلاً عن ذلك يحدد الوسيط بالتنسيق مع الأطراف مدى حاجته إلى مستندات إضافية أو خبرة علمية أو عملية لم يتصمنها ملف الوساطة وجدير بالذكر أن لأي من الطرفين اطلاع الوسيط على أي معلومات أو مستندات كتابية يعتبرها سرية ، ويحظر من ثم على الوسيط الكشف عنها للطرف الأول إلا بموافقة كتابية مسبقة منه .
المرحلة الثالثة
جلسات لنظر الموضوع ولا ترتبط هذه الجلسات بعدد معين أو بجدول زمني محدد بل يحكم ذلك طبيعة النزاع ، ومدى أهميته والخيارات المتاحة في شأنه ، ولا يوجد ما يحول دون لجوء كل طرف إلى خبرته ومستشاريه للتقويم المستمر للنزاع .
المرحلة الرابعة
إنهاء الوساطة ويختلف ذلك بحسب ما إذا كانت مهمة الوسيط بسيطة أو مركبة ، فإذا كان الوسيط في وساطة بسيطة يكتفي باستعراض الخيارات ويضع صياغة مقبولة من الأطراف لاتفاق التسوية بعد أن يبين مواطن الضعف والقوة لدى كل منهم فإن الوسيط في وساطة مركبة يضع تقريراً كاملاً بما استخلص ومستقر بقناعته في شأن صاحب الحق محل النزاع ، وفي كل الأحوال يقتصر دور الوسيط على إبداء الاقتراح فحسب وقد يحرص الأطراف إلى اللجوء إلى التحكيم لفض النزاع يكون هو فيه الوسيط المحكم الوحيد.
وذلك بهدف توفير الوقت والجهد حيث يكون قد ألم إلماماً كافياً بجوانب النزاع وجديد بالذكر أن الوسيط يلتزم لدى انتهاء الوساطة بأن يرسل إلى المركز دون إبطاء إخطاراً كتابياً بانتهاء الوساطة ويبين تاريخ انتهائها والنتيجة التي تم التوصل إليها سواء أكانت تسوية كاملة أو جزئية أم اتفاق في التسوية ويظل هذا الإخطار سرياً اللهم إلا بالنسبة للأطراف الذين يتسلمون نسخة منه .
ويجوز لهؤلاء الأطراف التصريح كتابة بالكشف عن ورود الإخطار أو مضمونه.
دور الركز في الإجراءات
يساعد المركز الأطراف المتنازعة في اختيار الوسيط وتعيينه على النحو المتقدم ويحدد لهم بالاتفاق مع الأطراف والمحكم عل حدٍ سواء .
ويلتزم كل طرف في الوساطة أن يودع مبلغ مالي ينفق منه لسداد أتعاب الوسيط وخدماته المعاونة من ترجمة وسكرتارية وجدير بالذكر أن دور المركز في صدد الوساطة يختلف إذا ما تمت الوساطة في مقر المركز أو خارجه حيث يجهز للأطراف المتنازعة حجرة يخلو فيها كل منه إلى نفسه و أخرى للقاءات في الأحوال التي تتم فيها الوساطة في جنيف .
وننوه بأن دور المركز في الوساطة رهن بتقديم الأطراف بطلب الوساطة يتضمن أسماء وعناوين الأطراف مع ملخص النزاع .
ولا يرقى هذا الملخص إلى عرض الحجج والطلبات بل تتمثل في تزويد المركز بتفصيلات كافية حتى تتسنى له مساعدة الأطراف على اختيار الوسيط المناسب لنظر النزاع من بين قائمة المركز من الخبراء وليس وليس المتخصصين في موضوع النزاع والملمين إلماماً كاملاً بجوانبه المختلفة بما في ذلك الجوانب التقنية والتجارية والقانونية .
أما إذا تمت الوساطة خارج مقر المركز ، فيكتفي المركز بالمساعدة في تهئية المكان المناسب لهذه اللقاءات على أن يتحمل الأطراف كامل التكاليف ، بما في ذلك نفقات السفر بنسب مئوية متساوية ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك .
شروط اللجوء إلى الوساطة:
عند نشوب أي نزاع تجاري يمكن أن يباشر بحله باللجوء إلى الوساطة بناء على طلب المتنازعين أو أحدهما إلى الوسيط أو إلى المؤسسة أو المركز الذي يخضع به الوساطة حيث يتم تحديد المشكلات والمواعيد ومكان إجراء الوساطة وإجراءاتها (تبادل اللوائح وعرض الوقائع والأدلة وحضور المشاورين والحقوقيين أو الخبراء … إلخ ) .
وفي جميع الأحوال إذا لم يوجد اتفاق باللجوء إلى الوساطة فعلى المتنازعين الذين يرغبون بتسوية نزاعهم بطريقة ودية ، أن يقدموا طلباً خطياً بذلك إلى أحد المراكز المتخصصة بالوساطة ويبدون استعداداتهم لحل النزاع عن طريق الوساطة .
ويجب أن يتضمن طلب الوساطة التالي:
1- الأسماء والعناوين وأرقام الهاتف والتلكس أو الفاكس أو البريد الإلكتروني أو غيرها من البيانات التي تسمح بالتصال بطرفي النزاع ومثل الذي أودع طلب الوساطة .
2- نسخة عن اتفاق الوساطة .
3- بيان موجز عن طبيعة النزاع .
ويكون تاريخ الشروع في الوساطة هو التاريخ الذي يتسلم فيه المركز طلب الوساطة ويتولى المركز إخطار الطرفين خطياً بتسلمه الوساطة وبتاريخ الشروع فيها .
ويخضع طلب الوساطة لرسم تسجيل ويدفع للمركز الراعي للوساطة ، ويحدد مبلغ رسم التسجيل وفقاً لجدول الرسوم والأتعاب المطبق في تاريخ الوساطة .
وتأخذ الوساطة المنحى والإجراءات التي يتفق عليها الطرفان ، وفي حال عدم اتفاق الفرقاء على آلية وإجرائية معينة ، على الوسيط أن يتخذ التدابير المناسبة على أن تكون متفقة مع هذا النظام وذلك وفق م سبق الإشارة إليه في إجراءات الوساطة .
الفروق الأساسية بين التحكيم والوساطة:
1- من حيث دور الطرف الثالث:
في التحكيم ينظر المحكم إلى النزاع من الناحية القانونية والموضوعية ، ويقوم بإعمال حكم القواعد القانونية عليه .
أما في الوساطة فإن الوسيط يقوم بمعاونة الأطراف بغرض الوصول إلى اتفاق بينهم.
2- من حيث سلطة الطرف الثالث:
في التحكيم يتمتع المحكم بسلطات كبيرة في مواجهة أطراف النزاع .
أما في الوساطة فهو لا يملك سوى مساعدتهم واستخدام الوسائل التي تؤدي إلى توقيع الأطراف لاتفاق معين .
3- من حيث زمن حل موضوع النزاع:
في التحكيم يصل المحكم إلى حل لموضوع نزاع نشأ بين الأطراف بالفعل في الماضي فيقوم بفض هذا النزاع . أما في الوساطة ، فالوسيط يساعد الأطراف للوسول إلى توقيع اتفاق محدد يحدد تصرفات الأطراف في المستقبل .
4- من حيث أداة حل النزاع:
في التحكيم يتم حل النزاع بقرار ملزم يصدر من المحكم .
أما في الوساطة فيكون حل النزاع بالوصول إلى توقيع اتفاق بين الأطراف ولا يملك الوسيط سلطة القرار في ذلك .
وأخيراً لابد من التنويه إلى أنه إذا كان التحكيم يقوم على رد الحق إلى أصحابه فإن الوساطة يهمها في المقام الأول المحافظة على المصالح المهنية للأطراف في الماضي والحاضر والمستقبل على حد سواء وبالذات في المستقبل حيث إن الغرض منها يكمن في السعي الحثيث إلى تجنب تأثير النزاع على العلاقات المستمرة فيما بين الأطراف .
فضلاً عن ذلك فإن ما سيصدر من مقترحات أو عروض للحل أو حتى ما سيرتضيه الأطراف من نتائج مترتبة على ذلك لن يكون في وسع أي من الطرفين الارتكان إليه في معرض أي نزاع أو حتى تحكيم آخر بين الخصوم أنفسهم .
ومع ذلك فلا مجال للتمسك بالوساطة في الحالات التي ينتفي فيها حسن النية فيما بين الطرفين كما هو الحال في دعاوى القرصنة والتقليد وسوء النية المبيت أو كذلك فهي غير مناسبة إذا كان المقصود للمدعي بالحق إعلان براءة ذمته على الملأ أو التوصل إلى حل بصدد نزاع غير مسبوق حيث لا توجد بصدده أي سوابق .
ومما تقدم نرى أن المعيار الرئيسي الذي يفصل بين المحكم والوسيط هو أن يفصل المحكم في النزاع المعروض عليه بحكم ملزم يتمتع بالحجية ، فإن ما يصدر عن الوسيط أن المفاوض هو مجرد حل للمسألة المعروضة عليه يكون قد توصل إليه في بعض الحالات بمساعدة الأطراف أنفسهم وبالتالي فإنه لا يعتبر ملزماً لهم إلا إذا قبلوه .
في الولايات المتحدة الامريكية صدر القانون رقم 101/552 تاريخ 15/11/1990 وهو يفرض على كل الدوائر الحكومية التحكيم والتوفيق عوضاً عن القضاء كلما كان ذلك ممكناً ومن ضمن مستوجباته بأن حل النزاعات عن طريق التحكيم أو التوفيق هو أفضل من اللجوء إلى النزاعات التقليدية أمام المحاكم الفدرالية طالما هو أقل كلفة وأكثر سرعة كما أنه مستعمل من قبل القطاع الخاص منذ زمن طويل وأن هذه الطرق تقود إلى إصدار قرارات أكثر إبداعية وعدلاً ومصداقية كما يمكن تطبيقها على مجالات واسعة من النزاعات الإدارية .
قد تم تشكيل لجان من مهامها الدعوة إلى اللجوء إلى التحكيم والتوفيق عوضاً عن اللجوء إلى المحاكم وتقوم أيضاً بشرح سبل الوصول إلى هذه الطرق وهذا القانون اقتبسته وطبقته كندا منذ ذلك الحين 1990 .
كذلك نجد أن التحكيم يختلف عن الوساطة في الصلح من حيث إن الوسيط في الصلح يقدم حلولاً ويبدي اقتراحات بهدف التقريب والتوفيق بين وجهات نظر الخصوم ، وبالتالي فهي مجرد اقتراحات قد يأخذون بها أو يعرضون عنها ، ولا شك أن شخص الوسيط وإمكانياته وسعة أفقه تلعب دوراً أساسياً في التأثير على الخصوم ولكن طبيعة المهمة المسندة إليه لا تجعل منه محكماً .
وأخيراً فإن الكثير من التشريعات الحديثة وأنظم التحكيم الدولية ومركز حل النزاعات التجارية عمدت إلى تبني الوساطة والتوفيق لحل النزاعات التجارية نظراً لما تتمتع به من سمات ومزايا والتي باتت تؤمن العدالة الفعالة في الوقت الحاضر خاصة الوساطة التي أصبحت تدرس في الجامعات والمعاهد في الدول المتقدمة صناعياً واقتصادياً ، لذلك فإننا نقترح وانسجاماً مع ما يحصل في عالماً المتطور والذي أصبح شبه قرية كونية ضرورة الأخذ بهذه الوسيلة والعمل على تطويرها وإدخال مادة الوساطة ضمن المنهاج الدراسي في الجامعات والمعاهد القضائية والعمل على وضع قانون للوساطة أسوةً بقانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 نظراً للمنعكسات الإيجابية لذلك على صعيد الاستثمار وعقود الأشغال الدولية .