التحكيم الإلكتروني كوسيلة لحل النزاعات الناتجة عن التجارة الإلكترونية
| بقلم: القاضي المستشار - محمد ياسين القزاز
يشهد العالم اليوم تطوراً هائلاً ومتسارعاً في عالم الاتصالات حتى أصبحت وسائل الاتصال السريعة الوسيلة المثلى في الاتصال ونقل المعلومات وإنجاز الصفقات التجارية بما أتاح ظهور التجارة الإلكترونية التي من أهم ما يميزها عن التجارة التقليدية الوسيلة التي تمر بها أو عن طريقها، حيث تتم من خلال بيئة إلكترونية تستخدم فيها وسائل الاتصال الحديثة وعلى رأسها شبكة الإنترنت.
ويمكن تعريف التجارة الإلكترونية بأنها كافة المعاملات والصفقات التجارية التي تتم باستخدام التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة التي وفرتها تكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنيت عبر التبادلات الإلكترونية ليتم بذلك اختصار الزمان وتقريب الأمكنة.
وبالمقابل فإن تطور التقنيات ووسائل الاتصالات ساعد في انتشار وعولمة الجريمة وإنتاج جرائم اجتماعية واقتصادية مستحدثة في مجالات توظيف التقنيات والاتصالات في النشاط الإجرامي مثل التنصت والاحتيال على المصاريف واعتراض بطاقات الائتمان وسرقتها واستخدامها الغير مشروع، والابتزاز والسطو على البنوك إلكترونيا والتزييف والتزوير، والتهرب الضريبي والاحتيال بالحاسب، وسرقة أرقام الهواتف والهواتف المزورة والمقلدة، وتدمير الحاسبات البنكية، والوصول للمعلومات الأمنية الحساسة وسرقتها وبيعها، والأسرار التجارية والعسكرية، واستخدام برمجيات التشفير لحماية النشاطات الإجرامية، وعلى سبيل المثال فقد ذكرت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية أن إحدى العصابات قد استثمرت حوالي 500 مليون دولار لإنشاء قاعدة تكنولوجية خاصة بها وكل تلك الجرائم المستحدثة هي نتيجة التطورات التدريجية لاستخدام شبكة الإنترنت.
وأمام عجز طرق التقاضي وتسوية النزاعات التقليدية عن تأمين وسائل مناسبة لفض منازعات التجارة الإلكترونية تتلاءم مع متطلبات تلك التجارة القائمة على السرعة والثقة بين أطرافها غدت الحاجة ملحة للبحث عن سبل أكثر مرونة فكان التحكيم الإلكتروني، وقد كانت الفكرة في إنشاء مركز متخصص لفض المناعات بواسطة الإنترنت في عام 1996، عندما قام مركز تحكيم Cybersettle بتأسيس موقع إلكتروني لهذه الغايات.
كما لاقت فكرة حل المنازعات الإلكترونية قبولاً من طرف دول عديدة منها الاتحاد الأوربي وهذا ما تجلى من خلال التوجيه رقم 31 لعام 2000 في مادته الأولى التي حث فيها دول الأعضاء السماح لموردي خدمات المعلومات والمتعاملين معهم بتسوية منازعاتهم بعيداً عن المحاكم وذلك عن طريق استخدام الوسائل التكنولوجية لتسوية فض المنازعات.
مفهوم التحكيم الإلكتروني:
عرف المشرع السوري التحكيم في المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 بأنه أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلاً من القضاء سواء أكانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق الطرفين منظمة أو مركزاً دائماً للتحكيم أم لم تكن كذلك
ولا يختلف التحكيم الإلكتروني في جوهره عن التحكيم التقليدي فكلاهما وسيلة من الوسائل البديلة لفض النزاعات، إلا أن فكرة التحكيم الإلكتروني ظهرت كأسلوب حصري لحسم المنازعات التي تنشأ نتيجة استخدام الإنترنت في المعاملات الإلكترونية مقارنة بالأساليب الأخرى لحل المنازعات كالمفاوضات الإلكترونية والوساطة الإلكترونية والتي تسمح باستخدام التقنيات الإلكترونية دون حاجة إلى انتقال أو تواجد الأطراف في مكان التحكيم، وقد عرف بعض الشراح التحكيم الدولي الإلكتروني بأنه ذلك التحكيم الذي يتفق بموجبه الأطراف على إخضاع منازعاتهم الناشئة عن صفقات أبرمت في الغالب الأعم بوسائل إلكترونية إلى شخص ثالث يفصل فيها بموجب سلطة مستندة ومستمدة من اتفاق أطراف النزاع وباستخدام وسائل اتصال حديثة تختلف عن الوسائل التقليدية المستخدمة في التحكيم التقليدي.
وعلى ذلك فإن التحكيم الإلكتروني هو عبارة عن نظام قضائي من نوع خاص، ينشأ من الاتفاق بين الأطراف ومن خلال الوسائل الإلكترونية على إحالة النزاع وبشكل اختياري لفض النزاع القائم بينهم والمتعلق في الغالب بالتجارة الإلكترونية ويصدر الحكم باستخدام وسائل الاتصال الحديثة. وإذا كان التحكيم الإلكتروني يتم عبر وسائط إلكترونية فإنه لا يوجد ما يمنع من أن يتم بأكمله أو في بعض مراحله إلكترونياً، وفي مراحل أخرى بالطرق التقليدية التي تتمثل في التواجد المادي لأطراف العملية التحكيمية.
ومن المسائل التي يتم بشأنها التحكيم الإلكتروني، على سبيل المثال لا الحصر، المنازعات الناجمة عن الإخلال ببنود العقود الإلكترونية، وحقوق والتزامات كل طرف، ومسؤولية مزودي خدمة الإنترنت، ونزاعات أسماء النطاق، وحقوق الطبع، والخلافات حول السداد الإلكتروني.
ومن التطبيقات القضائية للتحكيم الإلكتروني
1. تسجيل العلامة التجارية الشهيرة TOYOTA كعنوان إلكتروني www.toyota.com من قبل شخص لا يملك الحق في هذه العلامة وهي القضية التي نظرها مركز الوايبو للتحكيم والوساطة، وتسجيل العلامة التجارية المشهورة ADIDAS في العنوان الإلكتروني www.pepsicola.com.
2. قرار مركز التحكيم والوساطة الوايبو بشطب العنوان الإلكتروني www.sheel.com لاعتدائه على العلامة التجارية المشهورة Sheel إذ أن الخطأ الطباعي لدى المستخدم قد ينقله إلى الموقع الجديد الذي قد يفيد من شهرة هذه العلامة في جذب الزوار بما يتأكد معه سوء النية في التسجيل.
ويهدف التحكيم الإلكتروني إلى تنقية وتأمين بيئة العمل الإلكتروني وما يتصل بها من خلال تسوية أو حل المنازعات الإلكترونية القائمة، وتقديم الخدمات الاستشارية، التي من شأنها منع حدوث المنازعات، من أجل مجتمع رقمي معافى، وذلك من خلال تقديم خدمات التحكيم عن طريق محكمين خارجيين عبر وسائط الاتصالات الإلكترونية لتسوية أو حل المنازعات الناشئة عن علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي، سواء كانت علاقة عقدية أو غير عقدية، وسواء كانت في القطاع العام أو الخاص أو بينهما مثل الاستجابة لطلب جهات لتكملة عقد معين به بعض أوجه النقص، أو لمراجعة أحكام عقد معين في ظل ظروف معينة قد نشأت بعد إبرامه، فضلاً عن تقديم الخبرة الاستشارية في النظم والتقنية المعلوماتية والحوسبة التطبيقية للجهات القانونية، مثل المحاكم المختلفة (على غرار ما تقدمه مكاتب المحاسبة والمراجعة للمحاكم من خبرة محاسبية في النزاعات المنظورة أمامها ذات الصبغة المحاسبية البحتة).
نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني:
على الرغم من أن معظم المنازعات المعروضة على مراكز التحكيم الإلكتروني تتعلق غالبا بأسماء المواقع الإلكترونية، نظراً لفاعلية تنفيذ الأحكام الصادرة من جهة وإلزامية لجوء المتنازعين في هذه المنازعات للتحكيم الإلكتروني بموجب اتفاقية التسجيل من جهة ثانية، إلا أن نطاق تطبيق التحكيم الإلكتروني غير محصور في هذه المنازعات فحسب، وإنما يتم اللجوء إليه في كافة المنازعات المتعلقة بالأعمال الإلكترونية وبشكل خاص أعمال عقود التجارة الإلكترونية.
آليات التحكيم الإلكتروني في إطار التجارة الإلكترونية:
أولاً: اتفاق التحكيم:
اتفاق التحكيم هو اتفاق يدخل في إطار القانون الخاص يهدف إلى إحداث أثر قانوني معين يتمثل بإنشاء التزام على عاتق أطرافه بإحالة النزاع الذي ينشئ بينهما إلى التحكيم والتنازل عن حقهما باللجوء إلى القضاء، فهو في الواقع تصرف قانوني يصدر عن إرادتين أو أكثر ومن ناحية أخرى يعد التحكيم عملاً قضائياً حيث يقوم المحكم بذات الوظيفة التي يضطلع بها القاضي الوطني وهي الفصل فيما يثور أمامه من منازعات بإصدار حكم فيها.
وقد عرفه المشرع السوري في المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 4 لعام 2008 بأنه اتفاق طرفي النزاع على اللجوء للتحكيم للفصل في كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية.
ويعد اتفاق التحكيم الإلكتروني الخطوة الأولى في التحكيم الإلكتروني وأساس قيامه، ولا يختلف تعريفه عن اتفاق التحكيم التقليدي سوى أنه يتم عن طريق وسائط إلكترونية عبر شبكة الاتصالات الدولية، لذلك يعني تسوية المنازعات والخلافات عبر شبكة الإنترنت دون حاجة إلى التواجد المادي للأطراف أثناء عملية التحكيم.
وقد أجاز المشرع السوري الاتفاق على التحكيم عند التعاقد وقبل قيام النزاع سواء أكان الاتفاق مستقلاً بذاته أم ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين شريطة أن يحدد موضوع النزاع، كما أجاز أن يتم ذلك الاتفاق بصورة لاحقة لقيام النزاع ولو كان هذا النزاع معروضاً على القضاء للفصل فيه على أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم والا كان الاتفاق باطلاً، إلا أنه اشترط أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً تحت طائلة البطلان دون اعتبار أن تكون تلك الكتابة واردة في وثيقة رسمية أو عادية أو في محضر محرر لدى هيئة التحكيم التي تم اختيارها، بل أن المشرع السوري ذهب إلى أبعد من ذلك حين قبل بتوفر شكلية كتابة اتفاق التحكيم ضمن الرسائل المتبادلة سواء كانت عادية أو مرسلة بوسائل الاتصال المكتوب (البريد الإلكتروني، الفاكس، التلكس) إذا كانت تثبت تلاقي إرادة مرسليها على اختيار التحكيم وسيلة لفض النزاع، ولعله وضع بذلك حجر الأساس والدعامة لاعتماد اتفاق التحكيم الإلكتروني في التشريع السوري.
ومما لاشك فيه أن اختلاف التشريعات في مسألة مدى تحقق شرط الكتابة في الرسائل الإلكترونية من شأنه أن يثير الكثير من الصعوبات في حال تنفيذ أحكام التحكيم الإلكترونية في بلد لا يأخذ بالتفسير الموسع لشرط الكتابة الأمر الذي دفع المنظمات الدولية إلى محاولة إصدار الاتفاقات التي تأخذ بالتفسير الموسع للكتابة ومنها مشروع تطوير قانون التحكيم التجاري الدولي المعد من قبل لجنة الأونسترال بالأمم المتحدة والذي نص على انه ( يتعين أن يكون اتفاق التحكيم كتابياً وتشمل الكتابة أي شكل يوفر سجلاً ملموساً للاتفاق أو أن يكون في المتناول على نحو آخر بصفته رسالة بيانات بحيث يمكن استعماله في إشارة لاحقة ).
وهو ما يدل على أن اتفاقات التحكيم يمكن أن تبرم بوسيلة أخرى ليس لها شكل المستندات الورقية كالاتصالات الإلكترونية.
ويتم اختيار هيئة التحكيم الإلكتروني كما في التحكيم التقليدي، حيث أن للأطراف الحق في اختيار المحكمين، أو اللجوء إلى المحكمة المختصة لتسميتهم.
كما يتم في التحكيم الإلكتروني إتباع إجراءات التحكيم العادية، ويضاف إليها باتفاق الأطراف قواعد إضافية خاصة بالتحكيم الإلكتروني لعل أبرزها كيفية التواصل بين المتخاصمين والمحكمين عن بعد عبر شبكة الإنترنت، وكيفية تقديم المستندات إلكترونياً وأهمية الحفاظ على سرية المعلومات التجارية والصناعية التي تهم الأطراف موضوع النزاع على أنه يجوز للأطراف تحديد إجراءات التحكيم الإلكتروني ضمن اتفاق التحكيم وغالباً ما تشترط مراكز التحكيم تضمين طلبات التحكيم البيانات الآتية: أسماء الأطراف وطبيعة أعمالهم وعناوينهم البريدية الإلكترونية .تحديد طبيعة النزاع وظروفه .الغرض من الطلب وطبيعة التسوية المطلوبة. قائمة بالأدلة الثبوتية والوثائق والمستندات. نص شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم وأي معلومات أخرى نافعة.
وبعد تلقي مركز التحكيم طلب اللجوء للتحكيم يدعو الأطراف إلى تحديد موعد الجلسة الأولى ويفتح ملف خاص بالنزاع على الموقع الإلكتروني ولا يسمح بالدخول إليه إلا باستخدام المفتاح السري الذي يرسل للخصوم ولأعضاء هيئة التحكيم ويقوم مركز التحكيم الإلكتروني بعد ذلك بإخطار الطرف الأخر المطلوب التحكيم ضده على العنوان الإلكتروني الذي وضعه الطرف الأول طالب التحكيم ويجب على المطلوب كالتحكيم ضده بعد تلقيه الإخطار باللجوء إلى التحكيم أن يبلغ مركز التحكيم برده على طلب التحكيم متضمناً المسائل الآتية:
1- اسمه وعمله وعنوانه البريدي والإلكتروني.
2- ملاحظاته حول طبيعة النزاع وظروفه.
3- موقفه من الغرض من طلب اللجوء للتحكيم والتسوية المطلوبة.
4- قائمة بأدلة الإثبات التي يقوم عليها رده وأية معلومات أخرى قد تكون نافعة.
5- أي طلبات مقابلة يرغب في إيرادها في نفس الوقت الذي يقدم دفاعه.
أي أن اتفاق التحكيم الإلكتروني يشمل تحديد العناصر الجوهرية للاتفاق مثل محل العقد من حيث مشروعيته، ومن حيث الالتزامات المتعلقة به من تسليم وضمان، والمقابل من حيث كيفية الوفاء، ونوع العملة، لما ينطوي عليه السداد الإلكتروني من مغالطات، إضافة إلى كل الشروط المتفق عليها، والحقوق والالتزامات، والضمانات، وتحديد المستندات التي تكون جزءاً من العقد مثل الرسائل الإلكترونية والمطبوعات المتبادلة بين الأطراف التي أفضت إلى التعاقد.
ثانياً: أركان التحكيم الإلكتروني:
أما عن أركان التحكيم الإلكتروني فهي لا تختلف عن التحكيم العادي سواء من ضرورة توفر الرضا والمحل والسبب لكن باعتبار أن الأمر يتعلق بتحكيم الإلكتروني في إطار التجارة الإلكترونية هذا يعني أن الشروط في هذه الحالة تخضع لخصوصية معينة خاصة فيما يتعلق بكيفية التعبير عن الإرادة إلكترونياً.
- الرضا: يجب أن تتوافق إرادة الطرفين على القبول بالتحكيم الإلكتروني كوسيلة لفض النزاع الناشئ أو المحتمل النشوء في المستقبل والغالب أن يكون التعبير عن الإرادة بشكل صريح ومباشر ويشترط بالإرادة أن تكون حرة صادقة سالمة من عيـوب الإرادة كالإكراه والغلط والتغرير مع الغبـن الفاحش والاستغلال.
ولما كان إبرام اتفاق التحكيم الإلكتروني يتم عبر الوسيلة الإلكترونية وهي شبكة الإنترنت فأن التعبير عن الإرادة يكون من خلال هذه الوسيلة حيث يتم توجيه الإيجاب من خلالها وتلقي القبول عبرها مثلاً تضع شركة تجارية في موقعها على شبكة الإنترنت شروط التعاقد التي من ضمنها شرط التحكيم ومن يرغب بالتعاقد ما عليه سوى الضغط على مفتاح القبول أو الموافقة على التعاقد لإبرام العقد مع تلك الشركة ونقل إرادته بالقبول إليها وهنا يكون التعبير عن الإيجاب والقبول تم عن طريق الإنترنت، فالقواعد العامة تتيح التعبير عن الإرادة بعدة وسائل حيث يمكن أن يكون باللفظ ويمكن أن يكون بالكتابة أو بالإشارة المعهودة عرفاً ولو من غير الأخرس أو المبادلة الفعلية الدالة على التراضي أو باتخاذ أي مسلك أخر لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على التراضي.
وقد أثار تعبير رضا الأطراف باللجوء إلى التحكيم الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت إشكالاً آخر يتعلق بالإثبات، مما أوجب وضع إجراءات تقنية من أجل ضمان عدم انفصال الرضا عن الطرف المبدي له، لذلك اشترطت التشريعات وجود التوقيع الإلكتروني في اتفاقية التحكيم الإلكتروني من أجل صحته وإثبات رضا الطرف بتجسيد التحكيم الإلكتروني كآلية لحل منازعاتهم، بما في ذلك من تحفيز الثقة في المعاملات الإلكترونية.
وهنا نجد مرة ثانية أن المشرع السوري لديه لبنة جديدة في مجال اعتماد التحكيم الإلكتروني حيث أصدر قانون التوقيع الإلكتروني وخدمات الشبكة بالقانون رقم 4 لعام 2009 وحدد شروطه وحجيته مما يتيح استخدامه لاحقاً لإثبات اتفاق التحكيم الإلكتروني.
- الأهلية: تعتبر مسألة التحقق من أهلية المتعاقد في العقود الإلكترونية مسألة فنية دقيقة إذ تشير الإحصائيات إلى أن 28% من زائري المواقع على شبكة الإنترنت يعمدون إلى تقديم معلومات خاطئة عن هويتهم الشخصية، لذا عمد التقنيون إلى طريقة وإن لم تكن فعالة إلا أنها تساهم في تأكيد أهلية المتعاقد والمجسدة بالاستعانة بطرف ثالث مهمته تأمين تدفق بيانات حقيقية في المحررات الإلكترونية التي تبث في البيئة الافتراضية والذي يدعى مقدم خدمة التصديق وهو عبارة عن شخص أو جهة معتمدة أو معترف بها تقوم بإصدار شهادات تصديق إلكترونية أو أية خدمات متعلقة بها وبالتواقيع الإلكترونية، ويتجسد هذا الشخص في قانون التوقيع الإلكتروني السوري بمزود خدمات التصديق الإلكتروني الذي يعتبر جهة مختصة مرخص لها بإصدار شهادات التصديق الإلكتروني وتثبت عائدية توقيع إلكتروني إلى شخص طبيعي أو اعتباري معين سنداً للارتباط بين الموقع وبيانات إنشاء التوقيع الإلكتروني المعتمدة الخاصة به.
- المحل: يتم في العقد الإلكتروني وصف المنتج أو الخدمة عبر تقنيات الاتصال الحديثة بصورة دقيقة وكاملة مع تجنب الإعلانات الخادعة والمضللة، ولا يخرج اتفاق التحكيم الإلكتروني باعتباره عقداً من هذه القواعد فمحل اتفاق التحكيم يتمثل في النزاع الذي يراد حله ويشترط أن يكون قابلا للتسوية عن طريق التحكيم الإلكتروني.
ويشترط بالنزاع محل التحكيم أن يكون قابلاً للتحكيم والأصل أن المتعاقدين بالذات في التجارة الدولية يتمتعان بحرية كبيرة في تحديد المسائل التي تخضع للتحكيم ومع ذلك فان بعض التشريعات تفرض قيوداً على حرية الأطراف في إخضاع النزاع للتحكيم فتنص على عدم قابليته للتحكيم إذا كان يخالف قوانين تلك الدولة أو النظام العام أو الآداب العامة فيها.
ثــالثـــا: مزايا التحكيم الإلكتروني
- السرعة في فض المنازعات: يتميز التحكيم الإلكتروني بالسرعة في حسم المنازعات وهذا ما يتلاءم مع طبيعة التجارة الإلكتروني. لأن إجراءات التقاضي طويلة نسبياً وفيها العديد من الشكليات والمدد الزمنية التي يجب على الخصوم التقيد بها والسبب في توفير الوقت يرجع إلى أن التحكيم الإلكتروني لا يشترط انتقال أطراف النزاع أو حضورهم المادي أمام المحكمين بل يمكن سماع المتخاصمين عبر وسائط الاتصال الإلكترونية، كما يمكن للخصوم تبادل الأدلة والمستندات في ذات الوقت عبر البريد الإلكتروني أو أية وسيلة إلكترونية أخرى.
- انخفاض نفقات التقاضي: وذلك يتناسب مع حجم العقود الإلكترونية المبرمة التي لا تكون في الغالب الأعم كبيرة بل متواضعة وتستخدم أحياناً نظم الوسائط المتعددة التي تتيح استخدام الوسائل السمعية والبصرية في عقد جلسات التحكيم على الخط المباشر للأطراف وللخبراء وهذا يقلل من نفقات السفر والانتقال.
- إجراء جلسات المحاكمة عن بعد: حيث تقوم الهيئة بعقد الجلسات عبر شبكة الإنترنت دونما التقاء مادي للهيئة والمتحاكمين لتوفر بذلك عناء نفقات الأعمال لمكان التحكيم حيث يتم حضور جلسات المحاكمة من أي مكان في العالم عبر شاشة الحاسب المتصلة بالموقع الإلكتروني المعد لذلك.
- التخلص من مشكلة تنازع القوانين والاختصاص القضائي: إن وجود اتفاقية دولية بخصوص الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين وهي اتفاقية نيويورك الصادرة عام 1958 يجنب الأطراف الراغبة بالخضوع للتحكيم من التعرض لمشكلة تنازع القوانين والاختصاص القضائي على اعتبار أن العقود المبرمة عن طريق الإنترنيت بصورة عامة وعقود التجارة الإلكترونية بصورة خاصة هي عقود دولية لا تحدد جغرافية معينة فالإنترنيت شبكة مفتوحة عالمياً ولها إقليمها الخاص بها. فلو نشأ نزاع بين طرفين بخصوص التجارة الإلكترونية وأراد أحد المتخاصمين اللجوء إلى قضاءه الوطني تبرز مشكلة المحكمة المختصة بنظر النزاع والقانون الواجب والتطبيق عليه بالإضافة إلى عدم وجود قواعد موضوعية موحدة تلتزم فيها الدول في مجال التجارة الإلكترونية كما لا توجد قواعـد موحدة تحدد الاختصـاص القضائي لمنازعات التجارة الإلكترونية.
رابعاً: مساوئ التحكيم الإلكتروني:
لعل أهم مساوئ التحكيم الإلكتروني تتجلى في عدم ضمان سرية التحكيم حيث ترتفع إمكانية اختراق سرية عملية التحكيم من قبل قراصنة شبكة الإنترنيت مما يهدد سرية العملية التحكيمية برمتها، فالحفاظ على سرية النزاع والفصل فيه يعد من الدوافع الأساسية للجوء إلى التحكيم دون القضاء لأن التجار والشركات التجارية تسعى للمحافظة على ما يخصهم من معلومات سرية وأسرار تجارية لمنع كشفها من قبل الشركات التجارية المنافسة فإذا كان المحافظة على السرية يتحقق بالتحكيم العادي على اعتبار أن جلساته تقتصر على الخصوم فقط خلافاً للقضاء الذي تكون جلساته علنية دائماً إلا في بعض الحالات الاستثنائية، فإن ضمان هذه السرية لا يتحقق دائماً بالتحكيم الإلكتروني لأن إجراءات هذا التحكيم تتم عبر شبكة الإنترنيت بحيث يكون لكل خصم كود خاص (رقم سري)، يمكنه من الدخول إلى الموقع الخاص بالدعوى التي يجري التحكيم فيها . فيلتقي بالمحكم أو بالخصم الآخر ويتمكن من الحصول على الوثائق والمستندات المتعلقة بالنزاع. إلا أن حصول أطراف النزاع على الأرقام السرية يتطلب تدخل أشخاص فنيين لا علاقة لهم بالنزاع لتسهيل حصولهم على الأرقام السرية وهذا يعني أن معرفة الأرقام السرية لم تعد مقصورة على الخصوم وحدهم وهو ما قد يهدد سرية إجراءات التحكيم.