دور التحكيم في حل النزاعات التجارية
| القاضي الأستاذ حازم آلوسي
رئيس محكمة البداية التجارية الثانية بدمشق
أصبح اللجوء إلى التحكيم في الوقت الراهن ضرورة ملحة، نظراً إلى تطور العلاقات التجارية سواء على الصعيد الداخلي أم على الصعيد الدولي، وما نتج عن ذلك من تعقيد في المعاملات وتشعب في القضايا المطروحة، كانت الباعث الأساسي في إيجاده كوسيلة قانونية تمكن الأطراف من حل خلافاتهم، بشكل سري وسريع و فعال مع منحهم مرونة وحرية أكثر، لا تتوفر عادة في قضاء الدولة.
كل ذلك جعل التحكيم لا يقتصر على اعتباره مجرد نظاماً استثنائياً لمنافسته لقضاء الدولة، أو حتى نظام مصاحب وقرين له، بل أصبح يشكل نظاماً بديلاً عنه أدى بجل الدول إلى الأخذ به وتنظيمه، وبيان قواعده، و تقنين أحكامه.
و قد أخذ المشرع السوري بالتحكيم كنظام بديل عن القضاء في حل النزاعات في حال الاتفاق عليه, و نظم أحكامه ابتداء في قانون أصول المحاكمات رقم 84 لعام 1953 ثم صدر قانون التحكيم السوري رقم 4 لعام 2008 والذ ي عرف التحكيم بأنه : (( أسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاع بدلاً من القضاء سواء أكانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق الطرفين منظمة أو مركزاً دائماً للتحكيم أم لم تكن كذلك ))
كما عرف التحكيم التجاري بأنه التحكيم الذي يكون موضوع النزاع فيه ناشئاً عن علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي عقدية كانت أو غير عقدية.
أي تعتبر السمة الاقتصادية السمة الرئيسية التي تحدد التحكيم التجاري و تميزه عن غيره من أنواع التحكيم كالتحكيم الشرعي و التحكيم الإداري, لكن هذه السمة ليست كافية وحدها لوصف تعامل ما بأنه تعامل تجاري فالتعاملات المدنية و العقارية و كافة التعاملات ذات الطابع الاقتصادي تحمل ذات السمة لكنها لا تدخل جميعها تحت باب التعاملات التجارية و لا تتمتع بالمزايا التي يتمتع بها التحكيم التجاري و المستمدة من قانون التجارة.
هناك فوارق مهمة بين العلاقات الاقتصادية المدنية و العلاقات الاقتصادية التجارية فالعمل التجاري يتميز عن غيره من الأعمال المدنية بخصائص أقرها القانون و بني عليها أحكاماً خاصة بهذا النوع من النشاط الاقتصادي, فليس كل نشاط اقتصادي عملاً تجارياً , لكن كل عمل تجاري هو نشاط اقتصادي و هناك العديد من العلاقات التي يتم البيع و الشراء يومياً بين الأشخاص و يجب التمييز بين المستهلك الذي يهمه الحصول على السلعة للانتفاع بها استخداماً أو ادخاراً و بين التاجر الذي يمتهن البيع و الشراء بهدف تحقيق الربح.
و من أهم خصائص العمل التجاري السرعة و السهولة و الثقة و استهداف الربح و هذه الخصائص أوجبت إخضاع العمل التجاري لمجموعة خاصة من القواعد القانونية التي تساعد على تحقيق مطالب العمل التجاري, و منها إعفاء التاجر من إعداد الأدلة المسبقة لتصرفاته كتنظيم العقود الخطية مثلاً, و لهذا أجاز القانون التجاري إثبات العقد التجاري بالغاً ما بلغت قيمته بجميع وسائل الإثبات كالشهادة و القرائن و احتسب قانون التجارة الفوائد القانونية للأعمال التجارية بنسبة تختلف عن التي يحتسبها في بقية المعاملات المدنية, و اعتبر بدء سريان استحقاقها اعتباراً من تاريخ استحقاق الدين و ليس بدءاً من تاريخ المطالبة القضائية.
والعلاقات التجارية على مختلف أنواعها تحكمها قوانين التجارة وأعراف المهنة وتعليمات غرف التجارة والأصول المهنية والمحاسبية المتعارف عليها وتتوالى مصادر الحقوق التجارية على الترتيب التالي:
1- الاتفاقات الدولية
2- القوانين
3- العرف والعادات التجارية
4- الاتفاقات الخاصة
5- الاجتهاد القضائي
6- الفقه
و بذلك فإن أي تحكيم يجري بين أطرافه لحل نزاع ناتج عن التعامل التجاري هو تحكيم تجاري سواء كانت العلاقة بينهم قائمة بين الطرفين على عقود مبرمة واضحة أو على علاقات تجارية محكومة بالعرف التجاري و أصول المهنة.
برزت أهمية دور التحكيم وسيلة من وسائل الفصل في المنازعات التجارية لقيامه بدور مهم ورئيسي في تسوية المنازعات نظرا إلى ما يقدمه من مزايا وفوائد للمتخاصمين جعلت اللجوء إليه في ازدياد متواصل وخصوصا أن المتخاصمين يتفقان مسبقا على الرضا بحكم المحكمين وعدم الاعتراض على قرارهم و بذلك تبقى علاقتهم التجارية مستمرة حتى بعد حسم النزاع و لذلك فقد وصف بعض علماء القانون القضاء بأنه ” عدالة الصلات التجارية المقطوعة” بينما ذهبوا إلى أن التحكيم هو ” عدالة الصلات التجارية المتصلة”، حيث ينتهي الحكم القضائي إلى قبول طلب طرف في النزاع والحكم ضد الطرف الآخر، مما يوجد قطيعة في التعامل بين الطرفين مستقبلاً، بينما التحكيم كثيراً ما ينتهي إلى إصدار حكم بحل معقول للنزاع يمكن أن يقبله الطرفان، وبذلك ينتهي الأمر عند هذا الحد، ويمكن أن يواصلا التعامل مع بعضهما بعد ذلك و أهم ميزات التحكيم ما يلي:
1- خبرة المحكم في فض المنازعات بين الخصوم, فالمحكم غالبا ما يكون ملما أو متخصصا في موضوع النزاع ويتم اختياره بحكم خبرته وقدرته على حل النزاع. فالخصوم يولون تفهما في المحكم الذي اختاروه وذلك بحكم خبرته ونزاهته وقدرته على حل النزاع بينهم و اقتناع منهم مهما كان قرار المحكم، ما يدفعهم إلى تنفيذ قراره وذلك بدوره يؤدي إلى استمرار العلاقة بين المتخاصمين من تعامل وتعاون حتى بعد انتهاء النزاع بينهما ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن التحكيم له طابع خاص ومميز يميزه عن القضاء العادي، فغالباً ما يتم اختيار المحكم من أهل الثقة و الخبرة في موضوع النزاع و العالم بأعراف المهنة موضوع النزاع فيتم اختيار تاجر ذهب في حال كان النزاع قائم بين تاجرين للأحجار الثمينة فهو الأقدر على حل الخلاف بينهما ولابد من التفريق بين ان يحكم المحكم في القضية التحكيمية بناء على علمه بواقعة مؤثرة ومتعلقة بالنزاع موضوع التحكيم , وبين أن يحكم مستندا الى خبرته العملية والمتعلقة بالنزاع موضوع الدعوى, فالمحكم شأنه شأن القاضي لا يجوز أن يحكم بعلمه الشخصي أي لا يجوز أن يحكم بناء على مشاهدته لواقعة تتعلق بموضوع النزاع, أما في الحالة الثانية لا يعتبر المحكم قد حكم بعلمه الشخصي كما لو كان موضوع النزاع يتعلق بعمل تجاري قائم بين طرفي النزاع وتم اختيار المحكم من التجار لعلمه ومعرفته بالأصول والاعراف التجارية , أو كمن يختار مهندساً كمحكم للنظر بنزاع يتعلق بإنشاءات هندسية ويستخدم علمه في هذا المجال للحكم بالنزاع .
2- يتميز التحكيم بالمرونة وسرعة الفصل في المنازعات وسرعة إجراءات سير المنازعة لأن الإجراءات عادة يحددها أطراف النزاع للمحكم للسير بموجبها ما يؤدي إلى توفير كثير من الوقت, إذ يمكن للأطراف أن يتفقوا على تحديد مدة معينة للفصل في النزاع و في حال عدم الاتفاق على هيئة التحكيم إصدار الحكم الفاصل في النزاع خلال المدة التي اتفق عليها الطرفان ، فإذا لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال مدة 180 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم .
يجوز لهيئة التحكيم إذا تعذر عليها الفصل في النزاع ضمن الآجال المذكورة في الفقرة السابقة ، مد أجل التحكيم لمدة لا تزيد على 90 يوما ولمرة واحدة .
إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرتين السابقتين جاز لكل طرف من طرفي التحكيم أن يطلب من المحكمة المعرفة في المادة 3 من هذا القانون خلال مدة 10 أيام من انتهاء هذا الميعاد مد أجل التحكيم لمدة إضافية لا تتجاوز 90 يوماً ولمرة واحدة ، وفي هذه الحالة يتم التمديد أو رد طلبه بقرار مبرم تصدره المحكمة في غرفة المذاكرة بعد دعوة الخصوم .
في حال انتهاء أجل التحكيم وفق ما جاء في الفقرات السابقة دون صدور حكم التحكيم ، كان لأي طرف من طرفي التحكيم رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع مالم يتفقا على التحكيم مجدداً .
إذا انقضت آجال التحكيم ولم تفصل هيئة التحكيم لحث هيئة التحكيم في النزاع بدون عذر مقبول كان للمتضرر من أطراف التحكيم مراجعة القضاء المختص لمطالبتها بالتعويض.
3- يمكن لأطراف النزاع الاتفاق على آلية التبليغ بكل ما يتعلق بالنزاع عن طريق البريد الالكتروني أو الرسائل النصية أو البريد المضمون أو اتصال هاتفي أو غير ذلك مما يسهم في سرعة إجراءات التحكيم , و ما لم يوجد اتفاق خاص بين الطرفي التحكيم يتم تبليغ أي رسالة أو إشعار للمرسل إليه شخصيا أو إلى مقر عمله أو محل إقامته المعتاد أو عنوانه البريدي المعروف أو المحدد في اتفاق التحكيم أو العقد عن طريق دائرة المحضرين في المنطقة الاستئنافية للمحكمة المعرفة في المادة 3 من هذا القانون .
إذا تعذرت معرفة العناوين المشار اليها في الفقرة السابقة يعتبر المخاطب مبلغا إذا تم الإجراء بكتاب مسجل إلى اخر محل إقامة معتاد أو عنوان بريدي معروف له ..
4- ومن مزايا التحكيم سرية الجلسات والنطق بالحكم مالم يتم الاتفاق على خلاف ذلك باعتبار أن جلسات التحكيم هي خلافاً لجلسات القضاء تتم بصورة سرية كما نصت المادة 29/3 من قانون التحكيم وعلة سرية الجلسات هي حماية أطراف النزاع سيما في القضايا التجارية , وذلك لحل نزاعاتهم بعيداً عن علانية المرافعات وتجنباً لما قد يلحق بسمعتهم من سوء , مالم يتفق أطراف النزاع أن تكون الجلسات علنية.
5- يمكن للأطراف الاتفاق على لغة التحكيم لاسيما في حال تعدد جنسيات الأطراف في التحكيم الدولي غير اللغة العربية, وعندما يسري هذا الاتفاق على جميع الوثائق والمذكرات والمرافعات الشفوية وكذلك القرارات التي تتخذها هيئة التحكيم أو رسالة توجهها أو حكم تصدره مالم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك
وقد نصت المادة 54/3 من قانون التحكيم على وجوب أن يرفق بحكم التحكيم عند إكسائه صيغة التنفيذ ترجمة محلفة لحكم التحكيم باللغة العربية في حال صدوره بلغة أخرى .
6- وما يميز التحكيم أن يتفق الطرفان في العقد على مكان تقام فيه جلسات التحكيم وذلك في حال نشوء خلاف أو منازعة بينهم على تنفيذ بند من بنود العقد.
7- إمكانية أطراف النزاع على اختيار القانون الإجرائي و القانون الموضوعي لتطبيقه في حل النزاع و التزام المحكمين بإرادة الأطراف كما لهم اختيار تطبيق قواعد العرف التجاري بعيداً عن النصوص القانونية الجامدة، وهو ما يضفي على التحكيم مرونة يمتاز بها العرف التجاري.
8- يمكن لأطراف التحكيم تفويض المحكمين بالصلح و إعفائهم من التقيد بقواعد الأصول و القانون و في هذه الحالة لا يكون المحكمين ملزمين بالتقيد بأصول المرافعات و قواعد القانون, و إنما يحكمون بقواعد العرف و العدالة و الإنصاف و إن كانت تتعارض مع القانون الوضعي, و يصدر الحكم وفقاً لما تمليه عليهم ضمائرهم على أن يكون الحكم منطقياً و عادلاً و معقولاً بعد أن يأخذوا بالاعتبار كافة الظروف المحيطة بالقضية و يمكن أن يستمد المحكم عناصر قناعته من أي دليل دون التقيد بقواعد الإثبات المقررة في القانون, و له أن يرفض تطبيق القواعد المتعلقة بالموضوع كأن يرفض الدفاع المبني على سقوط الحق بالتقادم و أن يقبل المقاصة في الحالات التي لا تتوافر فيها الشروط القانونية للمقاصة.
غير أن تفويض المحكمين بالصلح و إعفائهم من التقيد بالقانون لا يعفيهم من التقيد بالقواعد التي تتعلق بالنظام العام كضمان حق الدفاع لطرفي التحكيم, و معاملة طرفي التحكيم على قدم المساواة و التقيد بالقواعد الآمرة بالقانون, كما أن إعفاء المحكمين من التقيد بقواعد الأصول و القانون إنما يسري على الإجراءات التي تسبق صدور الحكم، أما الحكم فيجب أن تتوافر فيه الأصول و الشرائط القانونية المطلوب توفرها في الحكم القضائي عدا تسبيب الحكم في حالتي اتفاق طرفي التحكيم على صدور الحكم التحكيمي غير مسبب أو إخضاع التحكيم لقانون لا يشترط فيه تسبيب الحكم.
9- وسائل الإثبات في التحكيم التجاري متعددة و متاحة لأطراف النزاع كالدفاتر التجارية و الأدلة الخطية و البينة الشخصية و القرائن إضافة إلى أن قانون التحكيم أعطى هيئة التحكيم سلطة تقرير اجراء خبرة فنية ودعوة الخبراء للاستيضاح منهم حول بعض النقاط الغامضة في الخبرة كما لها سماع الشهود و استجواب أطراف النزاع, وطلب تقديم مستندات كما لها توجيه اليمين المتممة من تلقاء نفسها لأي من طرفي النزاع ولها توجيه اليمين الحاسمة بناء على طلب أحد طرفي النزاع للطرف الاخر وغير ذلك مما يقتضيه عملها , كما أن لهيئة التحكيم اتخاذ الاجراءات القضائية المستمدة من قانون البينات في الإثبات ولها في سبيل ذلك ما يلي :
1. لهيئة التحكيم من تلقاء ذاتها أن تقرر جلب أسناد وأوراق من الدوائر الرسمية السورية اذا تعذر ذلك على الخصوم وذلك عن طريق محكمة الاستئناف .
2. لهيئة التحكيم استنباط القرائن القضائية واستخلاصها من ظروف الدعوى .
3. لهيئة التحكيم من تلقاء نفسها أن تقرر دعوة الخصوم لاستجوابهم ولرئيس هيئة التحكيم توجيه الأسئلة التي يراها .
4. لهيئة التحكيم أن توجه اليمين المتممة من تلقاء نفسها الى أحد أطراف النزاع اذا كان شخصاً طبيعياً .
5. لهيئة التحكيم أن تقرر من تلقاء نفسها معاينة المتنازع عليه بجلبه الى مقرها أو الانتقال اليه .
10- مراعاة القواعد الآمرة في قانون التحكيم السوري:
من مزايا التحكيم أيضاً إلزام هيئة التحكيم بمراعاة القواعد الآمرة في قانون التحكيم و التي تعتبر ضمانة لحقوق أطراف النزاع لصدور حكم التحكيم عادل, حيث جاء في المادة 22/2 عبارة ((مع مراعاة أحكام هذا القانون )) والمقصود بهذه العبارة هو عدم مخالفة القواعد المتعلقة بالنظام العام الواردة في قانون التحكيم وهي قواعد اجرائية آمرة بحسبان أن قانون اجرائي .
نستنج من ذلك أنه لا يمكن لهيئة التحكيم بناء نظام اجرائي متكامل لا يأخذ بالحسبان القواعد الإجرائية الآمرة التي نص عليها قانون التحكيم السوري , وهذه المبادئ هي مبدأ الطلب ومبدأ المساواة بين الخصوم ومبدأ المواجهة وحق الدفاع وعدم قضاء المحكم بعمله الشخصي .
– مبدأ الطلب :
يعني هذا المبدأ أن اجراءات التحكيم لا تبدأ الا اذا طلب الأطراف ذلك فالمحكم لا يتحرك عفواً شانه شان القاضي في المواد المدنية والتجارية في قضاء الدولة وتطبيقاً لهذا المبدأ لا يجوز لهيئة التحكيم أن تحكم بأكثر مما طلبه الخصوم , والا عدت هيئة متجاوزة ما جاء في اتفاق التحكيم فيتعرض حكمها الى البطلان حسب الفقرة أ من المادة 50 من قانون التحكيم .
– مبدأ المساواة بين أطراف التحكيم :
نصت المادة 25 من قانون التحكيم السوري على أنه : (( يجب على هيئة التحكيم أن تعامل طرفي التحكيم على قدم المساواة , وأن تهيئ لكل منهما فرصاً متكافئة وكافية لعرض قضيته والدفاع عن حقوقه ))
والمقصود بالمساواة في هذه المادة المساواة الاجرائية التي لا شان لها بتقدير الهيئة للوقائع و الحكم الموضوعي التي تفصل به النزاع من دون معقب على حكمها .
فلا تفضل خصما على آخر أو تراعي مصالح أحدهما دون الاخر وكمقال على هذا المبدأ أن تتيح هيئة التحكيم للأطراف فرصا متساوية من اجل تقديم مستنداهم ودفوعهم فلا تعطي لأحد الأطراف شهراً و نعطي الآخر خمسة أيام فقط او تسمح لاحد الأطراف اثبات اقواله بالبينة الشخصية للطرف الاخر بذلك .
بناء على ما تقدم فانه اذا لم تحترم هيئة التحكيم مبدأ المساواة فان حكمها عرضه للبطلان .
– مبدأ المواجهة :
لا يجوز أن تجري اجراءات التحكيم او احد اجراءاتها في غفلة عن احد الخصوم ولا يجوز لهيئة التحكيم ان تنظر في النزاع الا بعد تمكين كل من أطراف النزاع من حضور الجلسات كما هو معمول به أمام قضاء الدولة.
يقضي مبدأ المواجهة بتبليغ الخصوم لحضور الجلسات وبالسماح لكل منهم بالاطلاع على ما يقوله و يقدمه الطرف الاخر من مستندات ومذكرات السماح لكل الاطراف بالاطلاع على ما يقدمه الخبراء من تقارير وعلى ما تقرره الهيئة , فلا يجوز للهيئة مثلاً أن تسمع احد الاطراف بغياب الطرف الاخر ومن دون علمه , أو أن تقبل وثيقه من طرف وترفض ذلك من طرف آخر .
يعد نص المادة 32 من قانون التحكيم السوري من تطبيقات هذا المبدأ حيث جاء فيها وجوب إعلام الطرفين بموعد إجراء المعاينة والخبرة ويستمر العمل بهذا المبدأ الى ما بعد صدور التحكيم حيث يجب اخطار الطرف الاخر في حال طلب احد الخصوم تصحيح الحكم أو تفسيره أو في حال اصدار حكم اضافي .
– حق الدفاع :
يجب على هيئة التحكيم احترام حق الدفاع عبر تمكين اطراف النزاع من ابداء اقوالهم ودفوعهم و طلباته , وقد جاء نص المادة 25 من قانون التحكيم ليؤكد هذا المبدأ ويكون ذلك بمنح أطراف التحكيم مهلاً ومواعيد مناسبة لعرض وتقديم ما لديهم .
– عدم جواز حكم المحكم بعلمه الشخصي :
ليس للقاضي حسب القواعد المقررة أمام قضاء الدولة أن يحكم بعمله الشخصي وهذا الامر مكرس في المادة 2 من قانون البينات السوري وتطبق هذه القاعدة من حيث المبدأ على عمل المحكم بحسبان أن طبيعه عمله القضائية تفرض عليه ذلك ويجب عليه أن تستند في حكمه الى ما له أصل في ملف القضية التحكيمية .
ولابد من التفريق بين ان يحكم المحكم في القضية التحكيمية بناء على علمه بواقعة مؤثرة ومتعلقة بالنزاع موضوع التحكيم , وبين أن يحكم مستندا الى خبرته العملية والمتعلقة بالنزاع موضوع الدعوى , ففي الحالة الثانية لا يعتبر المحكم قد حكم بعلمه الشخصي كما لو كان موضوع النزاع يتعلق بعمل تجاري قائم بين طرفي النزاع وتم اختيار المحكم من التجار لعلمه ومعرفته بالأصول والاعراف التجارية , أو كمن يختار مهندساً كمحكم للنظر بنزاع يتعلق بإنشاءات هندسية ويستخدم علمه في هذا المجال للحكم بالنزاع .
11- تنازل قانون التحكيم السوري عن إحدى الضمانات الإجرائية الهامة :
تنازل قانون التحكيم السوري عن قاعدة آمرة و هامة في قانون أصول المحاكمات وهي تسبيب حكم التحكيم , حيث اجازت الفقرة الثالثة من المادة 42 منه على جواز عدم تسبيب حكم التحكيم في حالتين: الأولى هي اتفاق أطراف النزاع على عدم تسبيب الحكم التحكيمي. و في حال كان القانون الإجرائي المطبق على التحكيم لا يشترط تسبيب الحكم.
12- يصدر حكم التحكيم مبرماً غير قابل لأي طريق من طرق الطعن.
كل هذه المزايا أدت إلى قناعة الأطراف بأهمية التحكيم التجاري، ما حدا بهم إلى اللجوء إليه لمواكبته للتطورات الاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك التحكيم في القضايا المصرفية والمالية والتأمين وبموجبه يـعد التحكيم التجاري في الوقت الحاضر من أساسيات التعامل التجاري بشرط وجود الحياد و الاستقلالية كما أن حكم المحكم لا يخضع لرقابة التمييز أو التدقيق إذ يكتفي بمصادقة المحكمة المختصة على الحكم الذي لا يجوز له التدخل في موضوع الحكم ويقتصر دوره فقط على التأكد من توافر الشروط الشكلية و عدم وجود ما يخالف النظام العام ويترتب على تلك المصادقة أن يصبح الحكم قابلا للتنفيذ ويحوز حجية الأمر المقضي به.
ومن الجدير بالذكر أنه وعلى الرغم من كل ما سبق من مميزات للتحكيم، إلا أن أداء التحكيم التجاري لوظيفته مرهون بالبيئة وقوانين التحكيم المحلية التي تحكم أداء عمل المحكمين. فكلما كان دور القانون مقصوراً على حماية حقوق الأطراف دون تدخل في إرادتهم، كان التحكيم فاعلا وفعالا في أدائه وظيفته. فحرية أطراف النزاع في اختيار محكميهم، ولغة التحكيم ومكانه والقانون الواجب التطبيق في النزاع، مؤشرات على بيئة تحكيمية صحية. وكلما اقتصر دور القضاء على مراقبة تطبيق المحكمين للقواعد الشكلية دون الغوص في موضوع النزاع، ضمن طرفا التحكيم التمتع بمميزات التحكيم الذي لجأ إليه لحل نزاعهم.
و على الرغم من الدور الكبير الذي أخذه التحكيم التجاري كنظام بديل عن قضاء الدولة في حل المنازعات التجارية إلا أنه بقي للقضاء دوراً مهما في صون مؤسسة التحكيم فالمحكم و إن كان قاضياً من نوع خاص إلا أنه يفتقد إلى سلطة الإجبار و الإلزام في مواجهة الأطراف و كذلك الأمر في مواجهة الغير مما يعني أن تدخل القضاء الذي تستأثر الدولة بتنظيمه أمر حتمي لا بد منه سواء في تشكيل الهيئة التحكيمية أو في مساعدتها في جميع مراحل التحكيم سواء قبل بدء إجراءات التحكيم أو اثناءها أو بعد صدور الحكم التحكيمي.
و عليه سنبين دور القضاء في التحكيم التجاري:
هذا الدور ينقسم إلى قسمين دور مساعد لعمل المحكمين و دور رقابي على أعمال المحكمين و ذلك من خلال ثلاث مراحل و هي:
1- ما قبل البدء بالتحكيم.
2- أثناء سير التحكيم.
3- بعد انتهاء التحكيم و صدور حكم المحكمين.
حيث يكون دور القضاء قبل البدء بالتحكيم أو أثناء سيره كمساعد في إنجاح التحكيم و توفير الضمانات و بعد صدور حكم المحكمين يظهر دور القضاء في الرقابة على عملية التحكيم من خلال جملة من القواعد القانونية الواجب توافرها للقول بصحة اتفاق التحكيم و إجراءات التحكيم و إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ.
و نبدأ بالدور المساعد:
مرحلة قبل البدء بالتحكيم:
1- تسمية المحكمين :
يتشارك قانون التحكيم السوري رقم 4 لعام 2008 و قانون أصول المحاكمات على جواز أن يعرض المتعاقدين ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكم واحد أو أكثر و إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً.
و السؤال إذا لم يتفق الأطراف على تسمية المحكمين ولم يحدد كيفية تسميتهم ضمن شرط التحكيم أو بموجب الاتفاق اللاحق , فإذا تعذر الاتفاق بشكل ودي فلا بد للطرف الأكثر عجلة مراجعة المحكمة المختصة لتسمية المحكمين في جلسة تتم في غرفة المذاكرة و بعد دعوة الطرف الآخر و يتم تسميتهم وفق ما هو وارد في شرط أو اتفاق التحكيم من حيث العدد أو كيفية التسمية و في حال لم ينص الاتفاق على عدد المحكمين كان عددهم ثلاثة ومن ثم يصار إلى تبليغ القرار إلى المحكمين لقبول مهمة التحكيم و مباشرة إجراءات الدعوى التحكيمية .
2- الإجراءات التحفظية و الاحترازية:
حيث أن هيئة التحكيم لا تملك حق اتخاذ إجراء أو تدبير مستعجل أو احترازي أو مؤقت كوصف الحالة الراهنة و الحجز الاحتياطي و فرض الحراسة القضائية أو إصدار قرار وقف التنفيذ.
لذلك يمكن لأحد أطراف النزاع صاحب المصلحة والصفة من اللجوء إلى محكمة البداية التجارية بصفتها الناظرة بالقضايا المستعجلة التجارية لاتخاذ إجراء مستعجل كوصف الحالة الراهنة والحجز الاحتياطي وفرض الحراسة القضائية وغيرها من التدابير الاحترازية و المستعجلة التي من شأنها الحفاظ على الحقوق المدعى بها ريثما يبت بها في دعوى الموضوع المنظورة أو المتفق على عرضها على المحكمين للفصل بها بقرار نهائي.
وعلى المدعي في طلب الحجز الاحتياطي ان يطلب المباشرة في إجراءات الدعوى التحكيمية – مالم يكن قد باشر بها – خلال ثمانية أيام من تاريخ تنفيذ الحجز الاحتياطي وفق أحكام المادة 317/ب تحت طائلة زوال أثر الحجز ما لم يكن طلب الحجز مستندا إلى حكم أو سند قابل للتنفيذ وإلا فإنه يزول أثر الحجز المقرر.
مرحلة أثناء سير التحكيم:
– بينا في المرحلة الأولى أن من أوجه المساعدة التي يقدمها القضاء في التحكيم هي تسمية المحكمين غير أن السؤال الذي يثور هنا ماذا لو امتنع المحكم عن مباشرة عمله أو اعتزل العمل أو قام مانع من مباشرته له أو عزل أو تقرر رده؟
إن صلاحية القضاء في تسمية المحكمين لا تقتصر على مرحلة ما قبل بدء التحكيم و إنما تظل قائمة أثناء سير التحكيم و يتم تعيين المحكم البديل طبقاً للإجراءات التي اتبعت في اختيار المحكم الذي انتهت الذي اعتذر عن قبول المهمة أو اتمامها أو تم عزله أو قام مانع من مباشرته أو اتمامه مهمة التحكيم و ذلك بناء على طلب الطرف الأكثر عجلة.
كما تنظر المحكمة المختصة بطلب رد المحكمة و تعيين بديلاً عنه في حال توفر أي سبب من أسباب الرد المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات و هي ذات أسباب رد القضاة.
– وضع إشارة الدعوى في الحالات التي يوجب القانون فيها وضع إشارة الدعوى للنظر بالدعوى حيث يمكن أن تطلب هيئة التحكيم المحكمة بموجب كتاب موقع من المحكم أو رئيس هيئة التحكيم مرفق ببيان عن دعوى التحكيم بتسطير كتاب إلى مديرية السجل العقاري أو أمين السجل التجارية أو مديرية النقل لوضع إشارة الدعوى على صحيفة عقار أو صحيفة متجر أو سيارة محل النزاع موضوع التحكيم.
– تتوسط المحكمة المختصة في تبليغ أطراف الدعوى.
– ليس للمحكمة أي سلطة بتوجيه الأوامر إلى السلطات العامة المختصة لذلك لا بد للمحكمين من اللجوء للمحكمة المختصة بما يلي:
1- الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور أو يمتنع بدون عذر قانوني عن الإجابة, بالجزاءات أو الغرامات المقررة قانوناً.
2- اتخاذ القرار بالإنابات القضائية.
3- الحكم بتكليف الغير بإبراز مستند في حوزته يعتبر ضرورياً للحكم في النزاع.
– و من أوجه المساعدة التي تقدمها المحكمة هي تمديد مدة التحكيم بناء على طلب أحد الأطراف.
مرحلة ما بعد انتهاء التحكيم و صدور حكم فيه:
الدور الرقابي للمحاكم التجارية على أعمال المحكمين:
إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ:
تنتهي إجراءات التحكيم بصدور حكم التحكيم المنهي للخصومة ، والذي يجوز حجية الأمر المقضي به ، ويكون ملزماً وقابلاً للتنفيذ من قبل أطراف النزاع طوعاً ، أو جبراً بعد إكسائه صيغة التنفيذ حتى يكون له قوة القضية المقضية التي تخول من صدر الحكم لصالحه تنفيذه جبراً على المحكوم عليه ، أي أن حكم التحكيم لا يتصف فور صدوره بما تتصف به أحكام المحاكم من قوة التنفيذ الجبري ، وإنما يجب عرضه على جهة قضائية لمراقبته من حيث الشكل وتدقيق ما إذا كان موافقاً للشروط التي يجب توافرها فيه ، وما إن كان موافقاً للنظام العام ، أو الآداب العامة .
لذلك فإن الهدف من إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ هي :
1- رقابة أحكام المحكمين من قبل قضاء الدولة لحماية مواطنيها من مخالفة القانون والنظام العام أو الآداب العامة .
2- إعطاء حكم المحكمين الصفة الرسمية .
3- إعطاء حكم المحكمين قوة القضية المقضية .